إن من يتدبر ويتأمل في كتاب الله يجد عنايةً خاصة بباب الاستغفار والتوبة،
فقد تعددت آيات الاستغفار المبيِنة لعظيم منزلته في الدين ومدى أثره على المداومين عليه في الدنيا والآخرة،
وذلك بأساليب بلاغية متنوعة تثري العقول وتفتح مغاليق القلوب،
ولما لا وهو سمت الأنبياء والمرسلين، وسنة من كان قبلنا من الصالحين،
وثمرته الكبرى مغفرة الذنوب والخلود في جنات النعيم، فإن كنت ممن وُفقوا للمداومة عليه فهنيئاً لك،
وأما إن كنت ما زلت تذكره حيناً وتغفل عنه أحيانًا فهلم إلينا واقرأ هذه الكلمات بقلبٍ مقبل وعقلٍ متدبر.
ما هو الاستغفار؟
أولاً المعنى اللغوي للاستغفار:
لفظ “الاستغفار” هو مصدر: استغفر، يستغفر، وهو من مادة الغين والفاء والراء (غ ف ر)،
ومعنى (الغفر): الستر، فيقال: غفر المتاع في الإناء، أي أدخله وغطاه وستره،
ويقال (اسْتَغْفَر الله): أي أنه طلب المغفرة من الله.
ثانيًا المعنى الاصطلاحي للاستغفار:
الاستغفار في الاصطلاح هو: طلب المغفرة وستر الذنوب وعدم المآخذة أو العقاب عليها،
ويُقال (غفر الله ذنوبه): بمعنى سترها،
وقد أشار ابن تيمية –رحمه الله- إلى هذا المعنى كما ورد في كتاب (مجموع فتاوى ابن تيمية) حين قال: أن المغفرة تزيد عن ستر الذنب في أنها تتضمن طلب الوقاية من مغبة الذنب بألا يُعاقَب عليه وكأنه لم يَكُن.
الفرق بين آيات التوبة والاستغفار في القرآن الكريم
التوبة لغةً: مشتقة من مادة (ت و ب)، ومعناها الرجوع والأوبة،
ويقال (تاب إلى الله) توبةً وتوباً ومتاباً: أي رجع وأناب من الذنب إلى الطاعة.
أما في الاصطلاح -أي في الشرع- فالتوبة هي: ترك الذنوب لقبحها، والندم على التفريط في جنب الله، والعزم على عدم العودة إلى الذنب مرة أخرى، وتدارك ما فات، وهذه الأربعة هي شروط التوبة التي إذا سقط أحدها كانت التوبة ناقصة.
ولكن في البيان القرآني اتفق العلماء على أنه إذا ذُكر أحدهما -التوبة أو الاستغفار- فإنه يُعنى به الآخر،
فإطلاق الاستغفار وحده يراد به التوبة كما في قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 199]،
وكذلك إطلاق التوبة وحدها يراد بها الاستغفار، مثل قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 160].
أما إذا اقترنا معاً كما في آيات التوبة والاستغفار فإنه يكون لكل منهما معنىً يختلف عن الآخر،
مثل قول الله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [هود: 3]
أي: استغفروا ربكم عن الذنوب والآثام التي صدرت منكم (في الماضي)، ثم توبوا إليه فيما يُستَقبَلُ من أعماركم بأن ترجعوا وتؤبوا إليه، وتتركوا ما يكرهه من المعاصي وتُقبلوا على ما يرضاه ويحبه من الطاعات.
وفي هذا يقول ابن القيم –رحمه الله- أن كلاً من الاستغفار والتوبة متضمنٌ لمعنى الآخر وداخلٌ في مسماه في المطلق،
ولكن متى اقترنا معاً كما في آيات الاستغفار والتوبة كان الاستغفار بمعنى: طلب الوقاية من شر الذنوب الماضية،
أما التوبة فتكون بمعنى: طلب الوقاية من شر ما يخشاه العبد من السيئات والآثام في المستقبل.
تابع هذا المقال: السبع آيات المنجيات وتفسيرهم وفضل المداومة على قراءتهم
الاستغفار في الأسلوب القرآني
تتميز آيات القرآن الكريم بالثراء اللغوي والتنوع في الأساليب، ويظهر هذا جلياً في تناولها لموضوع الاستغفار،
حيث تكررت مادة (غفر) في القرآن كله 234 مرة بـ8 صيغ مختلفة، وهي على النحو التالي:
- صيغة المبالغة: ووردت 96 مرة، مثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 173]،
أي: أن الله تعالى يخبرُ عن نفسه أنه غفور رحيم، يغفر لمن عصى وأقر بذنبه وتاب منه ويرحمه في الدنيا والآخرة. - صيغة الفعل المضارع: ووردت 60 مرة، مثل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]،
يقول ابن عباس –رضي الله عنه- في تفسير هذه الآية أن الناس كان فيهم أمانان من العذاب، هما رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستغفار، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ظل الاستغفار أماناً إلى أن يشاء الله. - صيغة الفعل الأمر: ووردت 36 مرة، مثل قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد: 19]
ففي الآية أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يستغفر الله وهو المغفور له، ولكن الحكمة من هذا الأمر هو أن تقتدي به أمته وتستن بفعله،
وفي الآية أمر آخر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يستغفر لمن تبعه من المؤمنين والمؤمنات تكريماً لهم. - صيغة المصدر الميمي: ووردت 28 مرة، مثل قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268]،
والمراد هنا أن الله يعد كل مًن خالف هواه والشيطان، وتصدق لله بأن يغفر ذنوبه ويستر عيوبه ويخلف عليه من واسع فضله العظيم. - صيغة الفعل الماضي: ووردت 9 مرات، مثل قوله تعالى:{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} [النساء: 64]،
في هذه الآية يوضح الله تعالى لمن أذنب وعصاه من عباده أن يأتوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يستغفروا عنده ويطلبوا من الله المغفرة، فإن استجابوا لهذا الأمر غفر الله لهم ورحمهم. - صيغة اسم الفعل: ووردت 3 مرات، مثل قوله تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 17]،
وهم الذين ينظرون إلى أنفسهم بعين التقصير مهما فعلوا من الصالحات، فيلهجون بالاستغفار في وقت السحر الذي هو أرجى أوقات إجابة الدعاء. - صيغة المصدر السماعي: وذكر مرة واحدة فقط في قوله تعالى: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285]،
وكلمة غفرانك مثلما يُقال سبحانك، ومعناها: ندعوك أن تغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا. - صيغة المصدر: ووردت مرة واحدة أيضاً في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة: 114]،
وفي هذه الآية إشارة إلى ما كان من حال إبراهيم عليه السلام لمَّا كان يستغفر لأبيه بسبب وعده إياه بأن يستغفر له، وذلك قبل أن يعرف مآله، فلما مات على الكفر تبرأ منه تأدباً مع الله.
آيات الاستغفار التي تبين فضله وتنوع صيغه
اهتمت آيات القرآن الكريم ببيان منزلة الاستغفار وعظيم فضله، وسنبين ذلك فيما يلي:
أولاً: منزلة الاستغفار وفضله
تميزت آيات الاستغفار في القرآن الكريم بتنوع مدلولاتها ما بين توضيح لفضل الاستغفار وأهميته من جهة ارتباطه ارتباطاً وثيقاً بالتوحيد والشعائر الدينية الكبرى، وما بين حث للمسلمين عليه وأمرهم به ومدح أهله، وذلك على النحو التالي:
1- الاستغفار مقترن بالتوحيد وبالشعائر الدينية العظيمة
– لعل من أهم ما يبرز فضل الاستغفار ومكانته هو أنه كثيراً ما يأتي في النصوص القرآنية مقترناً بالتوحيد وبكلمة “لا إله إلا الله” التي هي مناط التكليف وأصل العبادات وأساس الدين كله.
ومن أمثلة آيات الاستغفار تلك قول الله تعالى: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ، وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [هود: 2-3]،
وقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد: 19]
فكلتا الآيتين ابتدأتا بالأمر بالتوحيد وإفراد الله وحده بالعبادة، ثم تلا ذلك الأمر بالاستغفار والحث عليه،
وكأن المراد بهذا أنه إن كان التوحيد هو أساس الدين وأصله فإن كماله إنما يكون بالاستغفار عما يبدر من العبد من نسيانٍ أو تهاونٍ أو تقصيرٍ في جنب الله.
ومما يؤكد هذا المعنى أن الكثير من أدعية الاستغفار المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم يقترن فيها ذكر التوحيد بالاستغفار،
وأشهرها دعاء سيد الاستغفار الذي سُمي بذلك لعظيم منزلته لما احتواه من الإقرار بأنواع التوحيد الثلاثة مقترناً بطلب المغفرة.
– من جهة أخرى، فإن كثير من آيات الاستغفار اقترن فيها طلب المغفرة بعدد من الطاعات والعبادات مثل: الحج وقيام الليل والصلاة،
حيث حث الله عباده على أن يختموا طاعاتهم بالاستغفار؛ جبراً لها من أي تقصير أو نقص، وصوناً للنفس من أن يصيبها العُجب بما بذلته.
تابع هذا المقال: آيات السكينة للأطفال للشعور بالطمأنينة أثناء النوم وعلاج الخوف
ومن أمثلة آيات الاستغفار تلك:
- {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1-3]،
فهنا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بطلب المغفرة وتسبيح الله وحمده وشكره وتعظيمه على إنجاز وعده بالنصر والفتح. - {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 17]،
وفيها ثناء من الله على عباده الذين يختمون يومهم بقيام الليل ثم يستغفرون في وقت السحر الذي هو آخر الليل قبيل الفجر. - قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 199]،
وهذه الآية فيها حث لعباد الله الذين امتن الله عليهم بتوفيقهم لعبادة الحج بأن يختموا طاعتهم بالاستغفار بعد إفاضتهم من عرفات.
2- أُمر به النبي صلى الله عليه وسلم ومُدِح به من سبقه من الأنبياء:
مما يؤكد على فضل الاستغفار وعظيم منزلته في الدين أن النبي صلى الله عليه وسلم أُمِر به صراحةً في غير آية في كتاب الله بالرغم من أنه غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر،
مثل قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 106]،
وأيضاً: {وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 108]،
وإن كان الأمر في آيات الاستغفار هذه موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه أمر لأمته بالتبعية.
ويضم القرآن كذلك آيات عن الاستغفار أثنى فيها الله تعالى على بعض الأنبياء السابقين الذين كانوا يسارعون إلى طلب مغفرة ربهم ورضوانه، مع ذكر صيغ مختلفة لاستغفارهم، وسنتعرض لها بشيء من التفصيل بعد قليل.
3- الاستغفار شعار عباد الله المتقين:
أثنى الله تعالى على عباده الصالحين الطائعين في غير موضع من الكتاب الحكيم،
وكان مما أثنى عليه من صفاتهم أنهم يستغفرون الله كثيراً، والثابت لدى العلماء أن كل ما أثنى الله عليه فإنه يحبه ويأمر به،
ومن ضمن آيات الاستغفار هذه قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17-18]
ثانياً: تنوع صيغ الاستغفار:
تعددت صيغ آيات الاستغفار في القرآن الكريم، فبعضها جاء على ألسنة المؤمنين، وبعضها بألسنة الأنبياء،
وبعضها على ألسنة الملائكة، ولكنها كلها من أكمل الصيغ الجامعة للمعاني التي تستوجب مغفرة الذنوب،
بخلاف صيغ الاستغفار المبتدعة والمبتذلة في كثير من الأحيان.
وهذه الصيغ في المجمل لا تخرج عن 3 صيغ عامة، هي:
1- طلب المغفرة المجرد الصريح:
وهي الصيغة الأوضح من حيث إرادة الاستغفار وقصده، وتكررت آيات الاستغفار بهذه الصيغة في سبعة سور هي (البقرة، آل عمران، الأعراف، إبراهيم، الشعراء، ص، نوح)، مثل قول الله تعالى:
- {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199]
- {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 135].
- {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41].
- {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24].
- {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10].
2- صيغة الخبر المتضمن للطلب:
وتكررت هذه الصيغة في سبع سور من سور القرآن الكريم هي: الأعراف (موضعين)، هود، يوسف، الأنبياء، الشعراء (موضعين)، النمل، القلم، وهي مثل قوله تعالى:
- {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].
- {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} [النمل: 44].
قمنا كذلك بكتابة مقال عن: آيات ورد فيها كلمة ظلم أو مشتقاتها بالتفسير الميسر
3- صيغة الخبر المقترن بصريح الطلب:
وهي على ثلاث صور:
الأولى: أن يكون الخبر عن السائل:
وجاءت هذه الصيغة في كل من: البقرة، آل عمران (موضعين)، القصص، مثل قوله تعالى: {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285].
الثانية: أن يكون الخبر عن المسئول:
والمسئول هنا هو الله وحده، وجاءت هذه الصيغة في سبع سور هي: البقرة، الأعراف (موضعين)، المؤمنون، غافر، الحشر، الممتحنة، التحريم، وهي نحو قول الله تعالى: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286].
الثالثة: أن يكون الخبر عن السائل والمسؤول معاً:
ولم ترد هذه الصيغة في القرآن كله إلا مرة واحدة فقط، وهي قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 109]
تم كذلك كتابة مقال عن: أحاديث عن التوبة والاستغفار وبيان معنى التوبة وحكمها وشروطها
أصناف المستغفرين في ضوء القرآن الكريم
أولاً: استغفار الملائكة في القرآن
ذكر الله تعالى في موضعين من محكم التنزيل أنه شرَّف المؤمنين من عباده بأن سخر أفضل خلقه وأنقاهم وهم الملائكة ليستغفروا لهم.
الموضع الأول: قوله تعالى: { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7]،
وفي الآية إخبار بأن صفوة الملائكة وهم حملة العرش والذين حوله ينزهون ربهم عن كل نقص، ويستغفرون لمن آمن من عباده، ويدعون لهم بالنجاة من عذاب النار.
الموضع الثاني: قوله تعالى: { تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الشورى: 5]،
وفيها أيضاً إخبار من الله بصنيع ملائكته من تسبيحه وتنزيهه ودعائهم بالمغفرة للمؤمنين من أهل الأرض.
ثانياً: استغفار الأنبياء في القرآن
أخبر القرآن أن الأنبياء عليهم السلام كانوا يسارعون في الطاعات ومنها الاستغفار، وقد تضمنت آيات الاستغفار استغفار عشرة من الأنبياء وهم:
1- آدم عليه السلام:
قال تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23]،
وذلك حكايةً عن آدم وحواء عليهما السلام، حيث سارعا بالاعتراف بذنبهما بعدما أكلا من الشجرة التي نهاهم الله عنها، ومن ثم طلبوا المغفرة من الغفور الرحيم.
2- نوح عليه السلام:
تضمنت آيات الاستغفار استغفار نبي الله نوح في موضعين مختلفين، وهما:
الأول: استغفاره عما بدر منه من كونه سأل الله تعالى ما ليس له به علم،
وذلك في قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: 47]،
ويظهر من هذه الآية عظيم ندم نوح عليه السلام على دعائه ربه بأن ينجي ابنه الكافر، فاستعاذ بالله من ذنبه وبادر بطلب المغفرة.
الثاني: استغفاره عليه السلام بعدما أخبره الله بانتهاء دعوته وأنه لن يؤمن له من قومه إلا الذين آمنوا معه،
قال تعالى: {رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} [نوح: 28]،
وفي الآية دعاء من نبي الله نوح لنفسه ولوالديه بالمغفرة، ثم توسع في الدعاء ليشمل كل مؤمن ومؤمنة دخل بيته، ثم أضاف في دعائه جميع المؤمنين ذكوراً كانوا أو إناثاً.
3- إبراهيم عليه السلام:
تشتمل آيات الاستغفار في القرآن على ثلاث مواضع استغفر فيها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وذلك في موقفين مختلفين كما يلي:
الأول: عندما قُوبلت دعوته للتوحيد بالرفض من قبل والده وقومه،
وذلك في موضعين هما قول الله تعالى: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 82]،
وفي هذه الآية إخبار برجائه وطمعه في مغفرة ربه له يوم الدين.
وقوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الممتحنة: 5]،
والاستغفار هنا على لسان إبراهيم عليه السلام والذين آمنوا معه، متوسلين إلى الله بربوبيته ألا يفتنهم في دينهم بأن يسلط عليهم القوم الكافرين، ثم اعترفوا بتقصيرهم وذنوبهم سائلين الله أن يغفرها لهم وأن يسترها عليهم.
الثاني: حكى القرآن أن إبراهيم عليه السلام عندما أودع أهله في وادي مكة توجه إلى ربه بالدعاء قائلاً:
{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41]،
فهو هنا يتوسل إلى ربه مبتدئاً دعائه بالإقرار بربوبيته بقوله {رَبَّنَا}، ثم يسأله أن يغفر له ولأقرب الناس إليه ولعامة المؤمنين.
4- يونس عليه السلام:
حكى القرآن عن نبي الله يونس استغفاراً واحداً هو قول الله تعالى:
{وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]،
ولم يتضمن استغفاره هنا طلباً صريحاً بالمغفرة، ولكنه لما علم أنه أخطأ في جنب الله ابتدأ استغفاره عن ذنبه بالثناء على ربه وتعظيمه وتنزيهه عن كل نقص،
ثم اختتم الدعاء باعترافه بخطيئته {إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} واعترافه هذا متضمنٌ في معناه طلب الغفران.
5- داود عليه السلام:
ورد استغفار نبي الله داود عليه السلام مرة واحدة في قوله تعالى:
{وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24]،
وهذا طلب صريح بالمغفرة متضمن اعترافه بذنبه وخطيئته، وأتبع استغفاره بالإنابة والسجود لله تعالى.
6- موسى عليه السلام:
ومن آيات الاستغفار في الذكر الحكيم استغفار موسى عليه السلام حيث قال تعالى:
{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص: 16]،
فيخبر الله هنا عن موسى عليه السلام أنه ندم على ذنبه (وهو قتل النفس التي قتلها) وتاب إلى ربه، وسأله أن يغفر له وألا يؤاخذه بهذا الذنب الكبير.
وأيضاً قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأعراف: 151]،
فيخبر الله هنا أنه لما تبين لموسى أن أخيه هارون لم يقصر في واجبه الذي كلفه به بادر بطلب المغفرة لنفسه عما فعله بأخيه، ثم استغفر لأخيه، سائلاً مولاه أن يشملهما بعفوه ورحمته.
7- سليمان عليه السلام:
قال تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [ص: 34-35]،
فيقول الله أن سليمان عليه السلام توجه إلى ربه بطلب المغفرة ثم سأله أن يرزقه ملكاً عظيما لا يسلبه منه أحد، وذلك بعدما اختبره الله بذهاب ملكه.
8- يعقوب عليه السلام:
قال تعالى: {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يوسف: 98]،
وهذا وعد من نبي الله يعقوب عليه السلام لأبنائه بأن يستغفر لهم ربهم عما بدر منهم في حقه وحق أخيهم يوسف عليه السلام، وذلك بعدما اعترفوا وأقروا بذنبهم، ومعلومٌ أن الأنبياء إذا وعدوا أوفوا.
9- يوسف عليه السلام:
قال تعالى: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92]،
استغفر يوسف عليه السلام هنا لإخوته دون أن يطلبوا منه ذلك وحتى قبل أن يعترفوا بخطئهم، وذلك إمعاناً منه في إظهار مسامحته لهم على خطئهم في حقه.
10- محمد صلى الله عليه وسلم:
لم يرد في القرآن الكريم استغفاراً صريحاً على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،
ولكن الله أمره بالاستغفار في تسعة مواضع، منها خمس كان الأمر فيها بأن يستغفر لنفسه،
مثل قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 106]،
وأيضاً: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55].
وإن كان الأمر بالاستغفار هنا موجه لشخص النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن فيه توجيه وتهييج لأمته على الاستنان به، والاقتداء بفعله.
أما المواضع الأربعة الأخرى التي أُمر فيها بالاستغفار فتضمنت الأمر بالاستغفار للمؤمنات اللاتي بايعنه، والاستغفار لصحابته رضوان الله عليهم.
قد يهمك: قصص الأنبياء في القرآن الكريم مختصرة
ثالثاً: استغفار المؤمنين في القرآن
1- استغفار المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم:
ومن أمثلته استغفارهم مخافة حساب الله لهم متوسلين بأعمالهم الصالحة وسمعهم وطاعتهم لله ولرسوله،
كما في قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285].
وأيضاً استغفارهم طلباً لتخفيف بعض الأحكام، قال تعالى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286]
وقد وجهنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بتلاوة هاتين الآيتين (خواتيم سورة البقرة) في كل ليلة؛ لما لهما من فضل كبير، وحثاً لنا على الاقتداء بصحابته في لزوم سؤال الله واستغفاره والتوجه إليه بالدعاء.
ومن أمثلة آيات الاستغفار على لسان عباد الله المؤمنين قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 16]،
وتبين هذه الآية أن من صفات المتقين أنهم يقولون هذه الكلمات، ومثل ذلك قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 109]،
ومثل آيات الاستغفار هذه تدل دلالةً واضحة على تمام خضوعهم وانكسارهم لله، ومدى رجائهم وخوفهم منه.
2- استغفار المؤمنين من الأمم السابقة:
ومن أمثلة ذلك ما حكاه الله عن الربانيين في أرض المعركة أثناء قتالهم أعداء الله، سائلين مولاهم أن يغفر ذنوبهم وأن يثبتهم على الحق وينصرهم على الكافرين،
قال تعالى: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 147].
وأيضاً ما جاء على لسان سحرة فرعون بعدما آمنوا بدعوة موسى عليه السلام، حيث صرحوا بأنهم يرجون من الله أن يغفر لهم،
قال تعالى: {قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ، إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 50-51]،
وأيضاً: {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ} [طه: 73].
آثار الاستغفار في الدنيا والآخرة في ضوء آيات الاستغفار
أولاً: الآثار التي يجنيها الفرد في الدنيا
لاشك أن لزوم الاستغفار ينعكس أثره على حياة صاحبه، بل وعلى المجتمع ككل، ومن ذلك ما يلي:
1- سبب في أن ينعم صاحبه بحياة طيبة
فمداومة المسلم على الاستغفار بلسانه وحضور قلبه تعينه على المسارعة في الخيرات،
ومن ثم يتأتى له وعد الله لعباده الصالحين في قوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]،
وهذه الحياة الطيبة تشمل راحة القلب وسروره، والسكينة والطمأنينة، ورغد العيش.
2- آيات الاستغفار والرزق
جاء في القرآن في أكثر من موضع ما يدل على ارتباط الاستغفار بالرزق، سواء كان متاعاً حسناً،
أو كثرة في الأمطار وتتابعها وما يترتب عليه من الخصب ونماء الزروع،
أو كان الرزق متمثلاً في البركة وازدياد قوة البدن أو الروح، أو كان زيادةً في المال والولد.
ومن أمثلة آيات الاستغفار والرزق المؤكدة لهذا المعنى ما يلي:
- {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [هود: 3].
- {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود: 52].
- {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12].
تابع أيضًا: آيات الرزق التي وردت في القرآن لتيسير وسعة الرزق
3- الاستغفار يجلب رحمة الله
ويدل على هذا قول الله تعالى على لسان نبيه شعيب عليه السلام أثناء دعوته لقومه: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود: 90]،
فمن رحمة الله أنه لا يُعذب من يتوب، ويحب من يؤوب إليه.
4- الاستغفار سبب لاستجابة الدعاء
والدليل على هذا ما حكاه الله تعالى على لسان نبيه صالح عليه السلام حال دعوته لقومه: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} [هود: 61]،
أي أن الله قريب من كل من تاب إليه، يسمعه ويجيبه إذا ما دعاه.
قد يهمك أيضًا: الدعاء المستجاب والأوقات المباركة التي ذكرت في القرآن والسنة.
5- الاستغفار سبب في النصر
قال تعالى : {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 146-148].
أي أنهم لما ثبتوا في أرض المعركة ولازموا الاستغفار واللجوء إلى الله بالدعاء، كان ذلك سبباً في حصول النصر والظفر على أعدائهم، ونجاتهم مما يكرهونه في الدنيا، وكافئهم الله بأن أثابهم مغفرته والجنة في الآخرة.
6- الاستغفار سبب في تفريج الهم والكرب
قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 87-88]،
فالذي أخرج يونس عليه السلام من تلك الظلمات بعد فضل الله إنما هو إقراره بذنبه وطلبه للمغفرة، وبالمثل فإن ملازمة العبد للاستغفار سبب في ذهاب الهموم والغموم وما يكدر النفوس من كربات الدنيا.
7- الأمن من عذاب الله
قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]،
واستدل العلماء من هذه الآية على أن المجتمع الذي يكثر فيه المستغفرون يكون في مأمن من عذاب الله.
ثانياً: الآثار الأخروية
1- مغفرة الذنوب وحصول الأجر العظيم
ويؤكد هذا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135-136].
وحصول هذا الثواب العظيم إنما يكون لمن يتصفون بهذه الصفات الطيبة، الذين إذا أذنبوا ذنباً أتبعوه بالتوبة والاستغفار والإنابة إلى الله تعالى.
2- الجنة
وهذه هي الثمرة الأعظم والبُغْيَة الكبرى، دار النعيم المقيم والجزاء الأوفى، قد وعدها الله لعباده المتقين الذين يخشونه في الدنيا ويطيعونه ويتوبون إليه ويستغفرونه،
قال تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ، الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 15-16].
اقرأ أيضًا: وصف الجنة في القرآن والسنة
الخاتمة
نخلص من كل ما سبق إلى حقيقة مفادها أن الاستغفار من أجَلّ القربات لله وأعظمها، وقد دلت أكثر آيات الاستغفار والتوبة على ما ينتفع به العبد في الدنيا والآخرة جراء المداومة عليه، فاتخذ مما قرأت في هذا المقال زاداً لك لتكون من المستغفرين كي يُحبك الله؛ فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.