أحاديث عن حسن الخلق | فضل الأخلاق وأهميتها في ضوء سنة النبي

أحاديث عن حسن الخلق | فضل الأخلاق وأهميتها في ضوء سنة النبي

اهتم الإسلام بقضية الأخلاق اهتماماً فائقاً، فجعل منها واحدة من أربعةِ أصول يقوم عليها هذا الدين هي:
الإيمان، والعبادات، والأخلاق، والمعاملات، ولذا حظيت باهتمام وعناية بالغة في كلٍ من كتاب الله وسنة رسوله،
وكتب السنة الصحيحة تجود علينا بكثير مما أُثِر عن نبينا الكريم من أحاديث عن حسن الخلق في إطار الحث عليه والترغيب فيه،
فتضمنت أحاديثاً تدعو إلى التحلي بحسن الخلق إجمالاً، وأخرى امتدحت أخلاقاً بعينها وحثت عليها،
فهيا بنا نرتع في رياض السنة الصحيحة، فنتلمس بعض ما جاء فيها من أحاديث عن الأخلاق الحسنة وفضلها.

معنى الأخلاق

1- في اللغة

هي جمع خُلُق أو خُلْق –بسكون اللام وبضمها- وهو السجية أو الطبع وقيل: هو الديدن والمروءة،
وحقيقته أنه إذا كان الخَلْق هو صورة الإنسان الظاهرة فإن الخُلْق هو صورته الباطنة
وأوصاف نفسه وطبيعتها وصفاتها التي يتعامل بها مع الآخرين.

وفي هذا يقول الرَّاغب الأصفهاني في كتابه مفردات ألفاظ القرآن الكريم
أن كلاً من الخَلْق والخُلْق أصلهما واحد، إلا أن الخَلْق اختص بالظواهر من الأشكال والهيئات
التي تُدرَك بالبصر، في حين اختُص الخُلق بالسجايا والأوصاف التي لا تُدرَكُ إلا بالبصيرة.

2- في الشرع

لم يختلف استخدام النصوص الشرعية للفظ (الخُلق) سواء في القرآن
أو فيما هو مأثور من أحاديث عن حسن الخلق عن معناه في اللغة،
فعند النظر في كتاب الله نجد أن لفظ (خُلُق) أتى في موضعين فقط:

الأول: قوله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 137]،
ومعنى (خُلُق الأولين) كما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه: مذهبهم وعاداتهم ودينهم الذي كانوا عليه.

والثاني: قوله تعالى في سياق مدح نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]،
قال ابن عباس: المراد بـ (خلق) هنا: أي دين، وهو دين الإسلام،
وفسرها الطبري بأن المراد هو أنك يا محمد على أدب عظيم، وهو أدب الوحي،
وفسرها الماوردي: بقوله إنك لعلى طبع كريم.

وكثر استخدام لفظ (خُلق) فيما صح من أحاديث عن حسن الخلق سواء في الحث عليه
أو في وصف النبي صلى الله عليه وسلم، مثل حديث عائشة رضي الله عنها
حين قالت واصفةً النبي: “كان خُلُقه القرآن” [صححه الألباني في صحيح الجامع].

3- في الاصطلاح

وفقاُ للجرجاني فإن الخُلُق هو هيئة النفس المتأصلة بداخل الإنسان
والتي تصدر من خلالها أفعاله بيسر وبدون تفكير، فإن كانت هذا الأفعال جيدة
كان مُتصفاً بالخلق الحسن، وإن كانت سيئة كان ذو خلق سيء،
أما ابن مسكويه فقد عرفه بأنه حال النفس وطبيعتها التي تدعو صاحبها إلى ممارسة أفعاله بدون روية أو تفكير.

بينما يرى بعض الباحثين أن الأخلاق من المنظور الإسلامي هي:
ما ينظم حياة المرء ويحدد طبيعة علاقاته وتفاعلاته مع ربه ومع  الآخرين،
من قواعد ومبادئ تنظم السلوك الإنساني، بما يضمن تحقيق الهدف من حياته على الوجه الأمثل.

أهمية الأخلاق في ضوء أحاديث عن حسن الخلق

يُمثِّل حسن الخلق اللبنة الأساسية في صلاح حال المجتمعات،
ولا يُنكِر أهميتها إلا منتكسوا الفِطرة والذين يُحبون أن تشيعَ الفاحشةُ في الذين آمنوا،
وفيما يلي سنستعرض أحاديث عن حسن الخلق تبين فضله وأهمية التحلي بالأخلاق القويمة.

أولاً: التحلي بحسن الخلق امتثال لأمر الله ورسوله

تضافرت نصوص القرآن والسنة في الأمر والحث على التخلق بجميل الأخلاق والنهي عن قبيحها،
ومنها قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]،
فهذه واحدة من الآيات الجامعة للحث على حسن الخلق مع الغير وما يجب على المسلم عند التعامل مع الناس.

أحاديث عن حسن الخلق | فضل الأخلاق وأهميتها في ضوء سنة النبي

حيث جمعت الآية بين ثلاث فضائل؛ أولها الأخذ بالعفو،
ويكون بعدم تكليفهم بأكثر مما يستطيعون، وشكرهم على ما بذلوا -وإن قل-،
وغض الطرف عن أي خلل أو تقصير،
وثانيها الأمر بالعرف: أي الحث على كل حسن من قول أو فعل أو خلق،
وأخيراً الإعراض عن الجاهلين: أي  عدم مقابلة إساءة الجاهلين وأذيتهم بمثلها،
بل بالإعراض عنهم كما في قوله تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63].

ومن الآيات الجامعة أيضاً التي حذرت من الأخلاق المذمومة ونهت عنها قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 11،12]

فقد نهت الآيات عن السخرية من الآخرين أو التحقير منهم سواء بالقول أو بالفعل،
وحذرت من أن يعيب أحد أخيه المسلم أو أن يصفه أو يناديه بما يكره،
كما نهت عن سوء الظن بالمسلمين، وعن التجسس عليهم وتتبع عوراتهم،
ونفرت من الغيبة بأن شبهتها بأكل لحم من يُغتاب ميتاً؛
وذلك إمعاناً في بيان مدى سوء هذا الخُلق وقبحه.

ولما كان خير مَن يمتثل لأوامر الله في أفعاله وأقواله هو نبينا صلى الله عليه وسلم،
فقد صَحَّ أكثر من حديث شريف عن حسن الخلق والأمر به،
ومنها عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن” [صحيح الترمذي].

ثانياً: حسن الخلق أحد مقومات الشخصية المسلمة

لما كانت الأخلاق هي الصورة الباطنة للإنسان، جعلها الوحي معيار الخيرية في هذه الأمة
دوناً عن الصورة الظاهرة من مال أو جاه أو لون أو جمال وغيره،
وحث المسلم على ثقل شخصيته بالتقوى وحسن الخلق في الأقوال والأفعال،
ومصداق هذا من كتاب الله قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]

وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إنَّ الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” [صحيح مسلم]،
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضى الله عنهما- أنه قال:
“لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً” [متفق عليه].

ثالثاُ: الرباط الوثيق بين الإسلام والأخلاق شريعةً وعقيدةً

ترتبط الأخلاق بعقيدة المسلم ارتباطاً وثيقاً، ويتضح هذا جلياً من كثرة
ما يتم الربط بين الأعمال الصالحة والإيمان في نصوص الوحيين،
ومحل الارتباط هنا هو أن حسن الخلق أحد أركان وركائز العمل الصالح.

أما الشريعة فإنها تشتمل على العبادات المأمور بها المسلم،
ومن ضمنها المعاملات، فإن العبادات إذا أُقيمت على وجهها الأمثل أثمرت ولابد أخلاقاً حسنة،
وهذا مصداقاً لقول الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت: 45]،
أي أن من ثمرات إقامة الصلاة إقامةً تامةً على النحو المأمور به، نهي النفس عن منكرات الأقوال والأفعال.

كما أن المسلم مأمور بأن تكون معاملاته مع الناس جميعاً قوامها الأخلاق الحسنة،
بل جاء التحذير في بعض الـ أحاديث عن حسن الخلق من أن يكثر العبد في عبادته بينما هو مسيء في معاملاته.

فصحَّ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رجلٌ يا رسولَ اللهِ إنَّ فلانةَ فذَكَرَ من كثرةِ صلاتِها وصدقتِها وصيامِها غيرَ أنَّها تُؤْذِي جيرانَها بلسانِها، قال: هيَ في النارِ. قال: يا رسولَ اللهِ فإنَّ فلانَةَ فذَكَرَ من قلَّةِ صيامِها وصلاتِها وأنَّها تصَّدَّقُ بالأثْوارِ من الأقِطِ -قطع من اللبن المجفف- ولا تُؤْذِي بلسانِها جيرانَها، قال: هي في الجنةِ” [أخرجه أحمد والبخاري].

رابعاً: آثار حسن الخلق على الفرد والمجتمع

تتضح فوائد حسن الخلق وأهميته من خلال آثاره على سلوك كل من الفرد والمجتمع، وذلك على النحو التالي:

1- أثره في سلوك الفرد

يظهر هذا في ما تغرسه الأخلاق الإسلامية في نفس المسلم من صفات حسنة
كالأمانة والعدل والصدق والحلم والرحمة وغيرها من القيم الرفيعة،
والتي هي أصل نجاحه وفلاحه في الدنيا والآخرة، حيث قال تعالى:
{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 9، 10]،
والمراد بالزكاة هنا تهذيب باطن النفس وظاهرها في السكنات والحركات.

2- أثره في سلوك المجتمع

الأخلاق الإسلامية هي لبنة بناء المجتمع الإنساني المسلم،
بل وغير المسلم أيضاً، ويمكن استنباط هذا المعنى من سورة العصر،
يقول تعالى: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1-3].

فإن تدعيم العمل الصالح بالتواصي بين أفراد المجتمع بالحق والصبر
لمجابهة التحديات الاجتماعية والمغريات من شأنه أن يُقوي المجتمع ويحصّنه،
بحيث يقل تأثره بعوامل الانحدار والتردي، فالمجتمع الذي يُبتلى بانحطاط
قيمه الأخلاقية مجتمع ضعيف حتى وإن كان قوياً مادياً أو علمياً.

وقد أثبتت التجارب الإنسانية والشواهد التاريخية أن ارتقاء الأمم
لسلم الحضارة المادية يستلزم رُقي أخلاق أفرادها ويتناسب معه طردياً،
وبالمثل فإن انحدارها خُلقياً يستجلب انهيارها معنوياً ومادياً،
فلا يمكن لأفراد المجتمع الواحد أن يتعايشوا فيما بينهم بتفاهم وتعاون وانسجام
ما لم تكن تربطهم وتحكمهم مبادئ أخلاقية تنظم تعاملاتهم وعلاقاتهم ببعضهم البعض.

خامساً: أهمية حسن الخلق في الدعوة إلى الله

يحتاج الداعي إلى الله أن يتسلح بعدة أشياء من بينها حسن خلقه،
فمخطئٌ مَن يعتقد أن الناس ينجذبون للدين فقط بقوة الأسلوب والحجة الدامغة،
فإن هناك الكثير من الشواهد التي تؤكد على أن أخلاق الدعاة لها أثر بالغ ونفع كبير.

وليس أدلّ على هذا مما جاء في السيرة من أحاديث عن الأخلاق الحسنة
التي اتصف بها نبينا الكريم من صدقٍ وأمانة وبينت مدى أثرها في دعوته،
ومن ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال:
“لما نزلت هذه الآية: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا تخرج بسفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبًا. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد” [رواه البخاري ومسلم].

أحاديث عن حسن الخلق

من الملاحظ في كتب الحديث ومصنفاتها وكتب الفقه أيضاً اهتمامها بقضية الأخلاق،
فلابد وأن تحوي فصلاً أو باباً عن فقه الأخلاق يسوق فيه المؤلف أحاديث عن حسن الخلق وفضله،

وقد نال ما ورد من أحاديث عن الأخلاق من رياض الصالحين شهرة كبيرة بين الناس،
فجميعها أحاديث صحيحة بلا خلاف بين العلماء، واتسمت بسهولة الأسلوب ووضوح الكلمات.

ولكن يوجد أيضاً أكثر من حديث شريف عن حسن الخلق
لم يأتي ذكره في هذا الكتاب (رياض الصالحين)، ومنها ما يلي:

الحديث الأول

سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم،
فقرأت {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} إلى عشر آيات، وقالت: “ما كان أحد أحسن خلقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما دعاه أحد من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال لبيك” [تفسير القرطبي].

وعن أبو عبدِ اللهِ الجَدليُّ قال: “سألْتُ عائشةَ عن خُلقِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَت: لم يَكُن فاحِشًا ولا مُتفَحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواقِ، ولا يَجزي بالسَّيِّئةِ السَّيِّئةَ، ولَكِن يَعفو ويَصفَحُ” [رواه الترمذي وقال حسن صحيح].

شرح الحديث

أحاديث عن حسن الخلق | فضل الأخلاق وأهميتها في ضوء سنة النبي

هذه زوج النبي وحبيبته وأقرب الناس إليه تصفه صلى الله عليه وسلم
بأنه كان أحسن الناس خلقاً؛ فقد تأدب بآداب القرآن وأخلاقه،
فكان هذا سمته وديدنه طوال حياته وفي جميع معاملاته،
سواء مع أهل بيته أو مع أصحابه أو مع عامة الناس،
فما كان أحد يناديه كائناً مَن كان إلا ويجيبه قائلاً (لبيك).

وفي الحديث الآخر تنفي عنه –رضي الله عنها- بعض الأخلاق والصفات المذمومة،
فلم يكن فاحشاً ولا متفحشاً، والفحش هو القُبح، فلم يكن صلى الله عليه وسلم
يتكلم إلا بكلام حسن، ولم يسمع منه أحد قولاً قبيحاُ، ولم يسب أحداً يوماً،
كما أنه لم يكن ممن يرفعون أصواتهم في الأسواق، كنايةً عن لطفه وأدبه
ولينه في الكلام حتى في الأسواق التي يكثر فيها الصخب واللغط.

ووصفته أيضاً بأنه كان عفواً كريماً مُحسناً، يصفح عمَّن أساء إليه ويعفو عنه،
ولا يجازي السيئة بمثلها، فقد كان يمتثل لأمر الله تعالى له حين قال:
{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 13].

ومما يؤكد هذا الحديث ما رواه عطاء بن يسار حيث قال:
لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فقلت:
أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، فقال:
“أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} وحرزًا للأميين،
أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق،
ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يُقيم به الملة والعوجاء،
بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به أعينًا عُميًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلفًا” [رواه البخاري].

وأيضاً حديث أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قَالَ:
“لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا، وَلاَ فَحَّاشًا، وَلاَ لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ المَعْتِبَةِ: مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ” [حديث صحيح]

فوائد الحديث

  • بيان جانب من الخلق القويم الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وترفعه عن الأخلاق السيئة.
  • في الحديث ذم للتكلم بالقبيح من الكلام.
  • ذم الصخب ورفع الصوت في الأسواق، وأيضاً ذم مَن يتصفون بهذه الصفة.
  • مدح خلق العفو والصفح عن المسيء.

الحديث الثاني

يروي هذا الحديث الذي يُذكر في كتب الفقه ضمن أحاديث عن حسن الخلق صحابيان جليلان،
فعن أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“اتق الله حيثما كنت، وأَتْبِع السيئةَ الحسنةَ تمحها، وخالقِ الناسَ بخلقٍ حسنٍ” [حسنه الألباني في صحيح الترمذي].

شرح الحديث

أمر النبي صاحبيه في هذا الحديث بثلاثة خصال حسنة،
الأولى هي: “اتق الله حيثما كنت”: ومعناها مراقبة الله وخشيته في السر والعلن،
وذلك باتباع ما أمر وترك كل ما نهى عنه وحذَّر، وذلك في كل مكان وفي كل وقت وعلى أي حال كنت.

والثانية: “أتبع السيئة الحسنة تمحها”: أي إذا زللت واقترفت معصية فألحقها بعمل صالح،
فذلك من شأنه أن يمحو سيئتك ويزيلها من صحيفتك،
وهذا مصداق قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]

والثالثة: “وخالق الناس بخلق حسن” أي: إذا كنت مختلطاً بالناس ومحتكاً بهم
فتعامل معهم بالأخلاق الحسنة في جميع معاملاتك، بدءاً من التبسم عند لقائهم،
واللين والترفق معهم، والتماس الأعذار لهم، وحسن الظن بهم، وغيرها من الأخلاق الحسنة.

وهذا الحديث من الأحاديث الجامعة التي يقدم فيها النبي صلى الله عليه وسلم
لأصحابه وللأمة من بعدهم نصائح نفيسة مما يفيد المسلم في دنياه وآخرته بكلمات قليلة وأسلوب سهل بسيط.

فوائد الحديث

  • الحث على تقوى الله هو ما أمر الله به خلقه أجمعين، وكذلك أوصى به الرسول في غير موضع.
  • الحسنة بعد السيئة تمحوها وتزيلها، وهذا من مظاهر تفضل الله على عباده ورحمته بهم.
  • الحث على الأخلاق الحميدة والترغيب فيها، وإن كان حسن الخلق يندرج تحت التقوى إلا أن الرسول خصه هنا بالذكر؛ لتوضيح مدى فائدته والحاجة إليه.

الحديث الثالث

مما ذكر من أحاديث عن حسن الخلق في كتب السنة
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إنَّكم لن تَسَعوا الناسَ بأموالِكم، ولكنْ يَسَعُهم منكم بَسْطُ الوَجهِ وحُسنُ الخُلُقِ” [حديث حسن].

شرح الحديث

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم أن الناس لا ينجذبوا ويحبوا أحداً محبةً
حقيقية لما له من مال، وإنما ما يؤلف القلوب حقاً هو مقابلة الناس
بوجه بشوش طليق، ومعاملتهم بأحسن الأخلاق وطيب الكلام.

فوائد الحديث

  • الحث على حسن الخلق مع الناس.
  • أنت لست بحاجة إلى مال ليحبك الناس، بل خلق حسن ووجه بشوش.
  • من وسائل الدعوة إلى الله بشاشة الوجه والأخلاق الحسنة.

الحديث الرابع

مما صَحَّ من أحاديث عن الأخلاق الحسنة
حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“ما مِن شيءٍ يوضَعُ في الميزانِ أثقلُ من حُسنِ الخلقِ ، وإنَّ صاحبَ حُسنِ الخلقِ ليبلُغُ بِهِ درجةَ صاحبِ الصَّومِ والصَّلاةِ” [صحيح الترمذي].

شرح الحديث

أحاديث عن حسن الخلق | فضل الأخلاق وأهميتها في ضوء سنة النبي

يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أنه لا يوجد عمل صالح
مما يُوضع في ميزان الأعمال في اليوم الآخر هو أرجح كفة وأثقل وزناً من حسن الخلق؛
وإحسان معاملة الناس قريبهم وغريبهم، فثوابه لا يعدله شيء.

ثم يؤكد الرسول هذا المعنى بتقريره أن مَن كان ذو خلقٍ حسن
–وإن قلَّت عباداته- فإن هذا الخلق يكون سبباً في أن يُبلغه درجة
مَن يُكثر من صلاة وقيام وصيام تطوع دون تعب أو كلل أو ملل.

فوائد الحديث

  • بيان فضل حسن الخلق على صاحبه.
  • حسن الخلق يثقل ميزان صاحبه وإن كان قليل العمل.
  • حسن الخلق سبب في مضاعفة ثواب وأجر صاحبه.

الحديث الخامس

روى عبد الله بن عمرو حديث شريف عن حسن الخلق فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“أربعٌ إذا كُنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدُّنيا: حفظُ أمانةٍ، وصدقُ حديثٍ، وحسنُ خُلقٍ، وعِفَّةٌ في طُعمةٍ” [صححه الألباني في صحيح الجامع].

شرح الحديث

يخبر الرسول في هذا الحديث عن أربعة خصال إذا كُنَّ في امرئِ فإنه لا يضيره ما يفوته من حظ الدنيا ومتعها،
الأولى: “صدق حديث”: أي أن يكون المرء صادقاً في كل ما يتكلم به، وأن يتحرى الصدق في كل ما يُخبِر به.

والثانية: “حفظ أمانة”: أي أنه لا يُضيع ما يؤتمن عليه من أمانات سواء مادية في الأموال
والمتاع ونحو هذا، أو الأمانات المعنوية كالأعمال والأشغال التي يُكلَّف بها.

والثالثة: “حسن خلق”: أي معاملة الناس أجمعين بأخلاق حسنة، فيحسن إليهم،
ويصدقهم، ويتجاوز عن أذاهم ونحو هذا، وحسن الخلق يمتد أيضاً ليشمل
حسن الخلق مع الله تعالى، ويكون بالرضا عن أقداره، والصبر على ابتلائه،
وشكره على المنع والعطاء، وفي هذا قال الرسول في حديث آخر
” أن أكمل المؤمنين إيماناً هم مَن حسن خلقهم”.

والرابعة: “عفة مطعم”: أي تحري الحلال في المأكولات والمشروبات،
واجتناب أن يدخل جوفه لقمة من حرام؛ فإن الله يبارك في الحلال وإن كان قليلاً، ويمحق الحرام وإن كان كثيراً.

فوائد الحديث

  • من نعيم الدنيا أن يتصف المرء بحسن الخلق والأمانة والصدق وطيب المطعم.
  • الحث على حفظ الأمانات وأدائها إلى أهلها.
  • الترغيب في تحري الصدق في كل حال.
  • إطابة الطعام من أعظم نعم الله التي تستوجب الشكر.

الحديث السادس

عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ، ويحبُّ مَعاليَ الأخلاق، ويكرهُ سَفسافَها” [صححه الألباني].

شرح الحديث

حرص النبي في دعوته على أن يُرشد أمته إلى كل خير من فضائل الأقوال والأفعال،
ونهاهم عن أراذلها، ويتضح هذا فيما نُقل عنه من أحاديث عن حسن الخلق
ومنها هذا الحديث، حيث يخبر أن الرب جل وعلا يتصف بالجمال والكمال في ذاته وأفعاله،
ولهذا فإنه يحب أن يتصف عباده في كل أحوالهم بما يتصف به، ويحب أن يرى أثر جمال أفعاله ظاهراً عليهم.

كما أنه تعالى “يحب معالي الأخلاق” فيحب أن يتحلى عباده بالحسن من الأخلاق الرفيعة التي تُعِزّ صاحبها وترفع من قدره في الدنيا والآخرة،
و”يكره سفاسفها” أي أنه يكره رذائل الأخلاق وقبيحها كالكذب والدناءة والخسة وغيرها، ويكره أن يتصف عباده بأي منها.

فوائد الحديث

  • أثبت الحديث لله تعالى صفة الحب والمحبة.
  • الترغيب في أن يتصف المسلم بالجمال مادياً كان أو معنوياً.
  • التوجيه إلى الحرص على الاتصاف بمعالي الأخلاق واجتناب الدنيء منها.

الحديث السابع

روى أبو هريرة رضي الله عنه أكثر من حديث عن الأخلاق الحسنة يبين فضلها ويرغب فيها،
ومنها أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“ما عمل ابن آدم شيئاً أفضل من الصلاة، وصلاح ذات البين، وخُلُق حسن” [السلسلة الصحيحة].

شرح الحديث

بالإضافة إلى حسن الخلق، رَغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف
في أعمال فاضلة تفيد الفرد والمجتمع المسلم ككل، ولها أجر كبير،
فقال: “ما عمل ابن آدم شيئاً” أي ما من عمل يفعله العبد أفضل من هذه الأعمال الثلاثة.

وأولها: “الصلاة”: أي إقامتها وأداء أركانها وواجباتها والمحافظة عليها في أوقاتها،
والتطوع فيها، وابتدأ بها النبي؛ لأنها أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة،
وهي الصلة بين العبد وربه، وتتضمن الخشوع لله والتذلل له والخضوع بين يديه،
والإقرار له بالعظمة والكبرياء، كما أنها عماد الدين والركن العملي الأعظم في الإسلام،
ولا يحافظ عليها إلا مؤمن، ولا يهجرها إلا منافق أو فاسق.

وثانيها: “صلاح ذات البين”: ومعناه السعي في جبر ما فسد من علاقات بين الناس وإصلاحها،
وإزالة الخصومات الحادثة بينهم، وجمع شتات قلوبهم المتنافرة والتأليف بينها،
وحث عليه النبي هنا؛ لأن أثره يتعدى منفعة الفرد الخاصة إلى المنفعة العامة للمجتمع المسلم ككل.

وثالثها: “خلقٌ حسن”: أي ما يتصف به المرء من فضائل الأخلاق ومكارمها،
مثل كف أذاه عن الناس، وأن يبذل لهم عن طيب نفس،
ويصبر على ما يصيبه منهم ويتجاوز عنه، فعلى كل عاقل أن يبذل قصارى جهده
ويجاهد نفسه في أن يُحسّن خلقه كي يفوز بخيري الدنيا والآخرة.

فوائد الحديث

الحديث الثامن

هذا هو ثالث حديث معنا ترويه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
مما صح من أحاديث عن حسن الخلق تصف فيه خُلق رسولنا الكريم،
فحين سُئِلَتْ عن خُلُقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَتْ: “كان خُلُقُه القُرآنَ، ثم قالت: أمَا تَقرَأُ القرآنَ؛ قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]” [صحيح الجامع]

شرح الحديث

كان النبي وما زال وسيظل خير مثال تتجسد في شخصه الكريم مكارم الأخلاق الحسنة،
ولهذا كان التابعون يتحرون عن صفاته وأفعاله؛ كي يقتدوا به،
ومن ذلك هذا الحديث الذي بين أيدينا، فالسائل هنا ابن عمٍ لأنس بن مالك رضي الله عنه،
وهو التابعي “سعد بن هشام بن عامر”.

أتى أم المؤمنين عائشة يوماً متقصياً عن خُلق الرسول وما كان عليه من سجايا وطباع،
فأجابته إجابة مختصرة ولكنها في الوقت ذاته وافية كافية،
فقالت: “كان خلقه القرآن” كنايةُ عن كمال أخلاقه، فكان ممتثلاُ لأوامر القرآن،
متصفاً بكل خلق كريم جاء الحث عليه والأمر به في كتاب الله،
منتهياً عن كل ما نهى عنه القرآن من خصال مذمومة.

فكان صلى الله عليه وسلم كريماً أشد ما يكون الكرم أجود من الريح المرسلة،
وفياً أشد ما يكون الوفاء، صبوراً لأقصى حد، شاكراً محسناً، حليماً شجاعاً،
عفواً رحيماً، مكثراً من التعبد لربه، حريصاً على أمته أيما حرص،
فكأنك تشاهد القرآن قد تجسد في شخصه الكريم،
ولذلك عقبت عائشة بقولها “أما تقرأ القرآن”؛ تقريراً وتأكيداً وزيادة بيان لما وصفته به.

فوائد الحديث

  • بيان مدى سمو أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم ورفعتها.
  • القرآن هو أصل كل خلق كريم.
  • في الحديث إشارة إلى ضرورة أن يتخلق المسلمون بأخلاق قرآنهم وأن يتأدبوا بآدابه.

الحديث التاسع

يتعاقب معنا بعض مما رواه أبو هريرة رضي الله عنه من أحاديث عن حسن الخلق والترغيب فيه؛
وذلك من كثرة ملازمته للرسول وسماعه عنه، فيقول في هذا الحديث:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
“إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ و في روايةٍ ( صالحَ ) الأخلاقِ” [السلسلة الصحيحة].

شرح الحديث

أحاديث عن حسن الخلق | فضل الأخلاق وأهميتها في ضوء سنة النبي

كان العرب يتصفون ببعض الخصال الطيبة والأخلاق الحميدة مما ورثوه من بقايا ملة إبراهيم الحنيفة،
ولكن شركهم وكفرهم أفقدهم الكثير منها، فجاء رسولنا الكريم مبعوثاً من رب العالمين متمماً للأخلاق الفاضلة.

فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم هنا أنه أُرسل للعالمين مكملاً ومتمماً
لما انتقص من أخلاق وأفعال حسنة مما فطر الله عباده عليها،
كالعفة، والحياء، والحلم، والأناة، والرفق، واللين،
وغيرها مما يستحسنه كل ذي فطرة سليمة من خصال طيبة.

فوائد الحديث

  • بيان أهمية قضية الأخلاق في الدين وأنها من الأولويات التي جاءت الشريعة لإرسائها.
  • الحث والترغيب في حسن الخلق.

الحديث العاشر

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إنَّه مَن أُعطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفقِ، فقد أُعطِيَ حَظَّهُ مِن خَيْرِ الدُّنيا والآخِرَةِ، ومَن حُرِمَ حظَّهَ مِن الرِّفقِ فقد حُرِمَ حظَّه مِن الخيرِ. وصِلَةُ الرَّحِمِ، وحُسْنُ الخُلُقِ، وحُسْنُ الجِوارِ، يُعَمِّرُ الدِّيارَ، ويَزِيدانِ في الأعمارِ” [السلسلة الصحيحة].

شرح الحديث

اللين والرفق مع الناس من الأخلاق الحسنة التي حث عليها ديننا الحنيف،
ورغب فيها وبيَّن جميل عاقبتها، ومن ذلك هذا الحديث، حيث يقول الرسول:
“إنه من أُعطي حظه من الرفق”، أي أن مَن مَنحه الله صفة الرفق والسماحة
واللطف في التعامل مع الآخرين فقد نال خير ما في الدنيا والآخرة؛ فالرفق كله خير،
فمَن يترفق بالخلق في الدنيا يجازيه الله من جنس عمله فيرفق به يوم القيامة.

أما مَن لم يُوفقه الله لهذا الخير فهو المحروم حقاً؛ لأنه يكون حينئذ مُتصفاً بالعنف والشدة وهما غير محمودان،
فحريٌ بمن رٌزق الرفق أن يحمد الله على ما رزقه من خير وفير وعطاءٍ جزيل.

ثم يقول الرسول: أن الإحسان إلى الأهل والأقربون وصلتهم ومودتهم،
ومعاملة الناس بمكارم الأخلاق، والإحسان إلى الجار وكفّ الأذى عنه،
هذا كله مما يعمر الديار أي يزيدها الله بركة ويكثر فيها الخير،
كما أنهم سبب في حصول البركة في الأعمار، وهذه البركة تكون
إما بإطالة العمر إطالة حقيقية، أو بالتوفيق إلى استغلال الاعمار في الطاعات وفعل الخيرات.

 فوائد الحديث

  • الرفق لا يأتي إلا بخير، ومن رزقه رزق الخير كله.
  • الحث على صلة الرحم والترغيب فيها.
  • بيان فضل حسن الخلق وأثره على صاحبه.

أحاديث عن الأخلاق من رياض الصالحين

صنف الإمام النووي رحمه الله باباً في كتابه رياض الصالحين أسماه (باب حسن الخلق)،
جمع فيه أحاديث عن الأخلاق الحسنة تبين فضل التحلي بصفة حسن الخلق إجمالاً،
وتحث المسلم على التمسك بها في كل أقواله وأفعاله.

وقد افتتح الإمام هذا الباب بقوله الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]،
حيث مدح الله رسولنا الكريم بما اتصف به من خلق عظيم انعكس على أقواله وأفعاله،
ثم أعقب هذه الآية بقوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134].

وبلغ عدد ما ذُكر من أحاديث عن حسن الخلق في كتاب رياض الصالحين
أحد عشر حديثاً صحيحاً، نذكر منها ما يلي:

الحديث الأول

عن النَّوَّاس بن سمعان الأنصاري رضي الله عنه قال: سَأَلْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسَلَّم عَنِ البِرِّ وَالإِثْمِ، فَقالَ: “البِرُّ حُسْنُ الخُلُقِ، وَالإِثْمُ ما حَاكَ في نَفْسِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عليه النَّاسُ” [رواه مسلم].

شرح الحديث

أحاديث عن الأخلاق من رياض الصالحين

يقول النَّوَّاسُ رضي الله عنه أنه سأل الرسول يوماً عن ماهية كلٍ من الطاعة والمعصية،
وأنَّى له أن يعرف أن ما هو مُقدمٌ على فعله هو من خصال الخير أو عكس ذلك،
فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم بأن البر كًل البر إنما يكون في حسن الخلق سواء مع الله أو في التعامل مع الناس.

أمَّا الإثم فهو كل ما ترددت في فعله، ووجدت في نفسك عدم الانشراح أو اطمئنان له،
وملأ قلبك الشك والريبة تجاهه، وتزامن هذا كله مع كُرهك لأن ينكشف أمر فعلك
هذا أمام الناس؛ لسوئه ولكونه مستقبحاً ومحل ذم.

ولكن يرى العلماء أن مثل هذا الميزان في التفريق بين البر والإثم يختص به المؤمن دون الفاسق؛
لأن المؤمن يكون ذو قلب نقي طاهر، إذا همَّ بمعصية تردد ولم تقبل عليها نفسه،
أما الفاسق فإنه يكون بخلاف ذلك، ولا يجد في قلبه ما يمنع من أن يطلع الناس
على ذنوبه وقبيح فعاله، وينشرح صدره للإثم، قال تعالى:
{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [فاطر: 8].

فوائد الحديث

  • الحديث من أدلة أن الرسول أوتي جوامع الكلم، فكلمة (البر حسن الخلق) من الكلمات البليغة الجامعة.
  • المؤمن صاحب القلب اليقظ يجد في صدره نفوراً من الذنب.
  • كراهية أن يراك الناس على إثم دليل على يقظة القلب.

الحديث الثاني

صح عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أحاديث عن حسن الخلق
الذي لمسه بنفسه من معاملة الرسول له أثناء خدمته له،
ومنها أنه قال: “خدمتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عشرَ سنينَ، فما قال لي أُفٍّ قطُّ، وما قال لي لشيٍء صنعتُه: لِمَ صنعتَه، ولا لشيٍء تركتُه: لِمَ تركتَه، وكان رسولُ اللهِ من أحسنِ الناسِ خُلُقًا” [متفق عليه].

شرح الحديث

كان الرسول صلى الله عليه وسلم حسن المعشر، طيب الخصال، رفيقاً ليناً،
ومما يؤكد هذا ما قاله أنس في هذا الحديث، حيث قال أنه مكث في خدمة النبي
صلى الله عليه وسلم لمدة 10 سنوات، ما قال له النبي في أي يوم منها (أف)
أي أنه ما تضجر أو تأفف منه في أي فعل صدر منه، ولم يلمه أو يعاتبه
على شيء صنعه من تلقاء نفسه دون أمر منه، أو شيء لم يصنعه مما كان يستلزم فعله.

ثم يصف النبي قائلاً أنه كان “مِن أحسَنِ النَّاس خُلقًا” أي أنه كان أفضل من وُصف بخصال الخير
ومحاسن الأخلاق في قوله وفعله، ليس مع الناس فحسب، بل حتى مع كل ما خلقه الله
من حيوانات وزروع وحتى جمادات، فحسن الخلق من سمات الأنبياء والصالحين
وصفاتهم التي فطرهم الله عليها، ولا خلاف بين العلماء على أن أفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم،
لذا كان طبيعياً أن يسمو بحسن خلقه، وأن يترفع عن كل خلق مذموم.

فوائد الحديث

  • يدل الحديث على أن أنساً لم يخالف النبي فيما يخص التكاليف الشرعية وإنما في أمور الخدمة، وإلا ما كان الرسول ليترك توجيهه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
  • الحث على الترفق مع من هم في خدمتنا من الناس وعدم الإساءة إليهم.

الحديث الثالث

صحَّ عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضى الله عنهما- أنه حدَّث بـ حديث عن الأخلاق الحسنة والحث عليها،
فقال: “لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً” [متفق عليه].

شرح الحديث

لمّا كان الرسول مُتصفاً بكمال خلقه، كان لزاماً أن يكون بعيد عن كل فحش وقبح بُعْدَ المَشْرِقَين،
بل إن الفحش لم يكن من سيجته أصلاً ولا مكتسباً، بل كان لا ينطق إلا بخير،
ومن ذلك نصحه لأمته بأن يقتدوا به في حسن الخلق، معللاً ذلك بأن خيار هذه الأمة
هم من حسنت أخلاقهم وانعكس أثر ذلك على أفعالهم وأقوالهم.

الحديث الرابع

مما روي من أحاديث عن حسن الخلق في رياض الصالحين حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أكْملَ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهُم خلقًا، وخيارُكُم خيارُكُم لنسائِهِم” [صحيح الترمذي].

شرح الحديث

يرشدنا الرسول هنا إلى أن أكثر من يستحق أن يوصف بالإيمان من المسلمين
هم من يعاملون الناس بحسن خلقهم، ويحسنون إليهم في كافة معاملاتهم،
ثم بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن أحق الناس بحسن خلق المرء
وطيب معاشرته هم أهل بيته من النساء،  وهنَّ أخواته وبناته وزوجته ونحو ذلك.

فوائد الحديث

  • الحث على التخلق بالأخلاق الحسنة مع الناس أجمعين.
  • الترغيب في حسن الخلق مع النساء خاصة.
  • أثبت الحديث أن الإيمان ليس ثابتاً، وإنما قد يزيد وقد ينقص.

الحديث الخامس

عن أبي أُمَامَة الباهلي رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“أنا زعيمٌ ببيتِ في رَبَضِ الجنةِ لمَن تَرَكَ المِراءَ وإن كان مُحِقًّا ، وببيتِ في وسطِ الجنةِ لمَن تركَ الكذبَ وإن كان مازحًا ، وببيتٍ في أعلى الجنةِ لمَن حَسُنَ خُلُقُه” [صحيح أبي داود].

شرح الحديث

إن مما يسمو بالفرد ويرفع قدره في الدنيا والآخرة هو التحلي بحسن الخلق،
وهو ما أقره الرسول صلى الله عليه وسلم وأكد عليه فيما صح عنه من
أحاديث عن حسن الخلق ومنها هذا الحديث، حيث ضمن وتكفل بقصر
في أطراف الجنة ونواحيها لمَن كفَّ عن الجدال والتناوش وإن كان على حق فيما يزعم،
وحث النبي على هذا؛ لما فيه من درء للخلاف الذي قد يشق الصف المسلم.

وضمن صلى الله عليه وسلم قصراً في وسط الجنة لمن كفَّ عن الكلام بالكذب جاداً كان أو مازحاً،
ثم تكفل بما هو أكبر من ذلك، وهو قصر في أعالي درجات الجنان لمن تخلق بالخلق الحسن مع الله أولاً،
ثم مع مخلوقاته، وأحسن في معاملاته، وكفَّ أذاه عن الناس.

فوائد الحديث

  • النهي عن كثرة الجدال؛ لما يُحتمل أن يُحْدثه من خلافات ونزاعات بين أفراد المجتمع المسلم.
  • الحث على ترك الكذب جَدَّاً وهزلاً.
  • الترغيب في حسن الخلق ببيان ما لصاحبه من ثواب في الجنة.

الحديث السادس

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا، وإنَّ مِن أبغضِكُم إليَّ وأبعدِكُم منِّي يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ والمتشدِّقونَ والمتفَيهِقونَ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، قد علِمنا الثَّرثارينَ والمتشدِّقينَ فما المتفَيهقونَ؟ قالَ: المتَكَبِّرونَ” [صحيح الترمذي].

شرح الحديث

يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته وسائر أمته في هذا الحديث
أن أكثر من يحبهم الرسول وأقربهم منه منزلة ومكاناً يوم القيامة أفضلهم أخلاقاً،
ممن تجملوا بالخصال الحسنة جميعها، سواء مَن كان حسن الخلق أصيلاً وغريزياً في نفوسهم،
ومن جاهدوا في الله كي يكتسبوا هذه الصفات ويمتنعوا عن الأخلاق المذمومة.

ثم أخبر أنه سيبغض أناساً أشد ما يكون البغض وسيكونون بعيدين عنه في المنزلة يوم القيامة،
وهم الذين يتكلفون في الكلام ويكثرون الحديث بدون حاجة أو حق ويكثرون ترداده،
والذين يلوون ألسنتهم تعظيماً لكلامهم وإظهاراً لفصاحتهم،
أو هم الذين يتطاولون على الناس ويسخرون منهم بلَيّ شدقهم، وهو جنب الفم،
وتوعد بذلك أيضاً للمتفيقهون، وهم الذين يملئون فمهم بالكلام
ويستكبرون على الناس ببلاغتهم وما أوتوه من فصاحة وطلاقة لسان.

فوائد الحديث

  • تضمن الحديث إظهار فضل حسن الخلق.
  • التحذير من ترديد الحديث والتكلف فيه تفاخراً.
  • ذم التكبر على الناس والسخرية منهم واستنقاصهم.

فضل حسن الخلق

يمكننا أن نجمل فيما يلي فضل التحلي بالأخلاق في ضوء ما سبق
من أحاديث عن حسن الخلق على النحو التالي:

  • حسن الخلق أحد أسباب دخول الجنة والرفعة في درجاتها ومنازلها.
  • من أسباب حصول محبة الله للعبد، قال صلى الله عليه وسلم: “أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقًا” [رواه الحاكم].
  • من مسببات محبة الرسول صلى الله عليه وسلم والقرب منه في اليوم الآخر.
  • حسن الخلق أثقل ما يوضع في الميزان من الأعمال الصالحة.
  • سبب في مضاعفة الجزاء والأجر؛ قال صلى الله عليه وسلم: “إنَّ المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله عزَّ وجلَّ لكرم ضريبته –سجيته وطبعه- وحسن خلقه” [رواه أحمد والطبراني].
  • حسن الخلق من أفضل الأعمال؛ قال صلى الله عليه وسلم: “يا أبا ذرٍّ، ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر، وأثقل في الميزان من غيرهما؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: عليك بحسن الخلق، وطول الصمت، فو الذي نفس محمد بيده، ما عمل الخلائق بمثلهما” [رجاله ثقات].
  • سبب في تعمير البيوت، والبركة في الأعمار وزيادتها.
  • حسن خلق المرء دليل على كمال إيمانه؛ فعن عمرو بن عبسة أنَّه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإيمان أفضل؟ قال: “حسن الخلق” [رواه أحمد].

أدعية حسن الخلق

أحاديث عن الأخلاق من رياض الصالحين

إن مما يعين المسلم على التحلي بحسن الخلق أن يقرأ في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم،
وأن يندمج مع أحداثها ، ويعيش بقلبه مع رسول الله في معاملته في السلم والحرب،
ويتتيع مواقفه مع العدو والحبيب، ويرى صنيعه مع أهل بيته وأصحابه.

كما أن التفقه في الدين، خاصة فقه الأخلاق، له دور كبير؛
إذ أن الاطلاع على ما فيها من أحاديث عن حسن الخلق ومطالعتها
وفهم معانيها واستخلاص فوائدها لا شك سيحدث في نفس فاعله وقلبه تغييراً كبيراً إذا اقترن هذا مع المجاهدة والصبر.

ومن النصائح الناجعة في هذا الباب الانغماس في بيئة صالحة، فلها أثر طيب في تحسين الخلق،
إذ أن الصالحون يتواصون كثيراً فيما بينهم، وينصح بعضهم بعضاً بتقوى الله والعمل الصالح
والذي منه حسن الخلق، سواء مع الله أو مع سائر مخلوقاته.

وأعظم معين هو سلاح الدعاء، الذي ما لجأ إليه أحد موقناً بقوته إلا ووجد ما يسره،
وأراه الله جميل صنيعه به، وقد كان معلمنا الأول صلى الله عليه وسلم يلح على ربه بالدعاء
بأن يحسن خلقه وهو مَن هو، فكيف بنا ونحن مَن نحن؟

فمما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتضرع إلى ربه في قيام الليل قائلاً:
“اللهم اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ، فَإِنَّهُ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئِهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ” [رواه مسلم].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ، وَالنِّفَاقِ، وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ” [سنن أبي داود].

الخاتمة

إن كانت منزلة حسن الخلق في الإسلام كما بيَّنا، ومكانة مكارم الأخلاق كما ذكرنا
من خلال ما أوردناه من أحاديث عن حسن الخلق وفضله، فحري بكل مسلم
أن يسعى سعياً حثيثاً للتحلي بمحاسن الأخلاق، وأن يُنَقِّب في نفسه عن كل خلق قويم فينميه،
وعن أي خلق سيء فيتجنبه ويتبرأ منه، ولنا في رسولنا الكريم خير أسوة،
فهلّا تشبهنا خَلْقَاً وخُلُقاً بمن كان خُلُقه القرآن؟
وهلَّا تأسَّينا بمَن امتدحه رب العالمين من فوق سبع سماوات قائلا: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ؟

شاهد أيضاً

أحاديث عن الصدقة وفضلها

آيات وأحاديث عن الصدقة وفضلها – هل الصدقة تدفع البلاء؟

الصدقة هي من الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل وهي من الأعمال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *