حديث الرسول مع جبريل | شرح الحديث وأهم ما يُستفاد منه

حديث الرسول مع جبريل | شرح الحديث وأهم ما يُستفاد منه

تزخر كتب السنة بآلاف الأحاديث الصحيحة المأثورة عمّن أوتي جوامع الكَلِم صلوات ربي وسلامه عليه،
ومنها حديث الرسول مع جبريل عليه السلام، فهو أحد الأحاديث الجامعة؛
إذ يشتمل على كليات وأصول دين الإسلام وتفسير أركانه وركائزه بأسلوب بسيط وعبارة واضحة،
ويضم لطائف وآداب ومعارف جمة ينبغي أن يعيها كل مسلم،
ولهذا اختتمه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)،
ولذا فإننا اليوم بصدد العيش في رحاب هذا الحديث الماتع واستخلاص ما فيه من حكم وفوائد.

من هو جبريل؟

جبريل عليه السلام هو أفضل الملائكة وأكملهم وأقواهم وقائدهم،
ميزه الله واختصه على جميع مخلوقاته من الملائكة وما سواهم في خَلْقه وصفاته وما كُلِّف به من مهام شريفة،
فكان يتنزل بالوحي من السماء، وينزل بالعذاب على من حَق عليه القول من الأمم الباغية،
وفيما يلي إشارة سريعة إلى بعض ما تميز به:

أولاً: صفاته

1- العلم

قال تعالى واصفاً جبريل عليه السلام: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى}[النجم: 3- 6]،
أي أنه هو مَن نقل بعض علم الله وعلَّمه لمعلم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم.

ومما يشهد له بالعلم من السنة حديث الرسول مع جبريل الذي نحن بصدد الحديث عنه اليوم،
حين قال صلى الله عليه وسلم: “فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم”.

2- كريم، أمين، ذو قوة هائلة

قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ، مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 19-21]،
فوصفه الله بأنه كريم، مؤتمن على الوحي، له مكانته عند ربه التي لا ينازعه عليها أحد، ويطيعه أهل السماء.

حديث الرسول مع جبريل | شرح الحديث وأهم ما يُستفاد منه

3- التمكين

وهذا مستفاد أيضاً من الآية السابقة، فقد مكَّنه الله تعالى في الأرض
بأن منحه القدرة على البطش بالكافرين والظالمين ممن استحقوا العذاب،
كما جعله ممكَّناً في السماء بأن جعل الملائكة تدين له بالطاعة بأمر الله.

ثانياً: صفة خَلْقِه

في الحديث الصحيح في مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال:
“رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته، وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سدّ الأفق، يسقط من جناحه التهاويل من الدرر واليواقيت”،
أي يسقط عن أجنحته الدرر والياقوت بألوان مختلفة مما يدهش الناس ويبهرهم.

ثالثاً: أسمائه

  • روح القدس: قال تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل: 102]، قال السعدي في تفسيره: “هو جبريل”.
  • الروح الأمين: قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء: 193]، وقد اتفق علماء التفسير بلا خلاف على أن المراد هنا هو جبريل.

وأطلق عليه (روح) لأنه كان ينزل بالوحي الذي هو أصل حياة القلوب.

حديث الرسول مع جبريل

كان جبريل عليه السلام كثيراً ما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم،
وقد نقلت لنا السنة الصحيحة الكثير من الأحاديث التي اشتملت على تفاصيل هذه اللقاءات، منها:
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أتاني جبريلُ، فبشَّرني أنَّهُ مَن مات من أُمَّتِكَ لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا دخل الجنَّةَ، فقُلتُ: وإن زَنَى وإن سرقَ؟ فقال: وإن زَنَى وإن سَرقَ” [صحيح الجامع] أخرجه البخاري ومسلم.

ومنها أيضاً: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب” [صحيح البخاري].

ولكن مع كثرة هذه اللقاءات إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يره على صورته التي خلقه الله عليها إلا مرتين فقط،
وإنما كان يتمثل إما في صورة صحابي يدعى “دحية بن خليفة الكلبي”،
أو في هيئة أعرابي كما في حديث جبريل في صحيح البخاري ومسلم الآتي ذكره.

متن حديث الرسول مع جبريل

حديث الرسول مع جبريل | شرح الحديث وأهم ما يُستفاد منه

ورد هذا الحديث في الصحيحين وغيرهما بأكثر من لفظ وأكثر من راوٍ،
ومن ذلك حديث جبريل في صحيح البخاري المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه،
وقد بَوَّب له باباً في كتاب الإيمان سماه:
باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وعلم الساعة.

ولكن المتن الأشهر هو ما جاء في صحيح مسلم، وهو:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم, إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب, شديد سواد الشعر, لا يُرى عليه أثر السفر, ولا يعرفه منا أحد.

حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فأسند ركبتيه إلى ركبتيه, ووضع كفيه على فخذيه. وقال: يا محمد, أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتصوم رمضان, وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً).

قال: صدقتَ, قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه. قـال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, وتؤمن بالقدر خيره وشره). قـال: صدقت. قال فأخبرني عن الإحسان؟ قال: (أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

قـال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل). قـال: فأخبرني عن أمارتها؟ قال: (أن تلد الأمة ربَّتها, وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاءَ الشاء يتطاولون في البنيان). قـال: ثم انطلق, فلبثتُ ملِيَّاً, ثم قال لي: (يا عمر, أتدري من السائل؟). قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).

منزلة حديث جبريل في الدين

أطلق بعض العلماء اسم (أم السنة) على حديث الرسول مع جبريل ومنهم الإمام القرطبي؛
لأنه اشتمل على كليات الدين وأصوله، وذكر “الطيبي” أن الإمام البغوي استهل كتابيه (شرح السنة) و(المصابيح) بهذا الحديث؛
اقتداءً بكتاب الله الذي استفتح بسورة (الفاتحة) المسماة بـ”أم الكتاب” لما اختصت به من اشتمالها على علوم القرآن ومقاصده إجمالاً.

وعلق عليه “القاضي عياض” قائلاً أنه حديث جامع شامل لكل العبادات القلبية والقولية والفعلية،
ووظائف القلب والجوارح، كما أن العلوم الشرعية جميعها تؤول إليه وتتشعب منه.

تابع كذلك: شرح حديث أم زرع واستخلاص ما تضمنه من فوائد وعبر

شرح حديث جبريل

اهتم العلماء القدامى والمعاصرون ببيان شرح حديث جبريل أيما اهتمام؛ نظراً لما له من أهمية كبيرة،
فمنهم من أفرد له باباً أو أكثر في كتبه، كباب شرح حديث جبريل في صحيح البخاري مثلاً،
ومنهم من كتب مصنفات اقتصرت فقط على شرحه واستخراج فوائده،
مثل كتاب (الإيمان الأوسط) لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكتاب شرح حديث جبريل لابن رجب الحنبلي.
وفيما يلي نستعرض شرحاً إجمالياً للفظ الحديث:

أولاً: مراتب الدين

يحكي عمر رضي الله عنه حديث الرسول مع جبريل في الرواية المنقولة عنه
أنه كان وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلوساً عنده في أحد الأيام،
فلم يسأله أحد منهم شيئاً أو يستفسر عن شيء من أمور الدين،
فأمر الله جبريل أن يأتي محمداً يسأله ليتفقهوا في دينهم ولتعم الفائدة على الأمة بأكملها من بعدهم.

فإذا بجبريل يدخل عليهم في صورة بشرية، على هيئة رجل يرتدي ثياباً شديدة البياض،
ذو شعر شديد السواد، لا تبدو عليه وعثاء السفر، وفي الوقت ذاته لا يعرفه أحد من الجلوس،
فجلس قريباً من النبي صلى الله عليه وسلم بل ملاصقًا له،
واستهل حديثه على عادة الأعراب مخاطباً إياه باسمه مجرداً قائلاً:
يا محمد، فتعجب الصحابة؛ إذ كانوا لا ينادونه صلى الله عليه وسلم إلا بـ يا نبي الله أو يا رسول الله.

فسأله عن الإسلام، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم مفسراً معنى الإسلام بأصوله وأركانه الخمسة،
وهي التي أقرها النبي في حديث آخر عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما،
حيث قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
“بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان” رواه البخاري ومسلم.

فلما أجابه النبي إذا بالسائل يقول له: صدقت! فتعجب الصحابة منه؛
فالمعلوم أن السائل إنما يسأل عن جهل وعدم معرفة، فكيف يقول له صدقت إن كان حقاً لا يعلم؟

ثم أردف هذا بالسؤال عن الإيمان، فأجابه النبي أيضاً إجابة جامعة بيَّن له فيها أن الإيمان قائم على ستة أصول،
وذكرها له، والإيمان يعم الدين كله، ويشمل الامتثال لأوامر الله كلها واجتناب نواهيه،
وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
” الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ” صحيح مسلم.

ثم سأله على الإحسان، فقال له أن تتعبد لله وكأنك تشاهده وتراه رأي عين،
فإن لم تقدر على هذا وضعفت عنه فاعلم يقيناً أنه مطلعً عليك،
يراك ويعلم ما تسر وما تعلن، ولا يخفى عليه حال ظاهرك وباطنك.

ثانياً: الساعة وأماراتها

بعد الحديث عن مراتب الدين الثلاث، انتقل حديث الرسول مع جبريل إلى السؤال عن الساعة وأماراتها،
فطلب منه السائل أن يطلعه على وقتها، فأجابه النبي بأنه مثله لا علم له بهذا، وإنما علمها عند الله،
وهي أحد مفاتح الغيب الخمسة التي استأثر الله وحده بعلمها، وجواب النبي هنا مصداقاً لقول الله تعالى:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف:187].

فطلب منه أن يطلعه على أماراتها، فأجابه بذكر علاماتها العامة دون الخاصة،
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث صحيحة ذكر فيها أشراطاً أخرى للساعة،
وقسمها العلماء إلى أشراط كبرى وصغرى، لا تقوم الساعة إلا بعد وقوعها جميعاً وتحققها.

فلما انتهى السائل من مسألته انصرف دون أن يتعرف عليه أحد من الحضور،
فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب: أتعلم مَن هذا السائل؟
فأجابه بتأدب أن الله ورسوله أعلم، فكشف له حقيقته قائلاً له: هو جبريل،
وعلل مجيئه بأن الله أرسله كي يعلمهم أصول هذا الدين وثوابته التي لا يقوم إلا بها.

قد يهمك: أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في مختلف المواضيع

العلاقة بين مراتب الدين في ضوء حديث الرسول مع جبريل

تناول حديث الرسول مع جبريل بيان مراتب الدين الثلاث بدءاً من الأعم إلى الأخص،
وهي: الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان، فهي مناط سعادة الإنسان أو شقاءه في الدنيا والآخرة،
والعلاقة بينهم وثيقة ومتداخلة؛ فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن،
وكذلك كل محسن مؤمن وليس كل مؤمن محسن.

ومصداق هذا من كتاب الله عتاب الله للأعراب الذين زعموا أنهم ارتقوا إلى مقام الإيمان ولمَّا يستقر معناه في قلوبهم بعد،
يقول تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 14].

وفيما يلي سنتعمق قليلاً في فهم هذه المراتب الثلاث في ضوء حديث الرسول مع جبريل سالف الذكر.

أولاً: مرتبة الإسلام

الإسلام في اللغة: هو الخضوع والانقياد،
أما في الاصطلاح فهو: أن تستسلم لله بتوحيده وتنقاد له بطاعته وتتبرأ من الشرك وأهله،
فكونك مسلم يعني أنك مطالب بأن تتعبد لله بكل ما شرع، وتطيعه باطناً وظاهراً.

والإسلام هو الدين الذي اصطفاه الله ورضيه لخلقه دون ما سواه،
وقد جاء تفسير معنى الإسلام في حديث الرسول مع جبريل انطلاقاً
من بيان أركانه الخمس الأساسية وفرائضه العملية، وهي:

  • الشهادتان: وتتضمنان الإقرار بوحدانية الله وألوهيته، وبأن محمداً عبده الذي اصطفاه بالنبوة والرسالة، وهما بوابة الدخول إلى رياض هذا الدين، وبدونهما لا يُقبل من عبد صرفاً ولا عدلاً.
  • إقامة الصلاة: والمقصود بها أداء الصلوات الخمس التي افترضها الله على عباده في وقتها، والقيام بأركانها وواجباتها على النحو الذي علمنا إياه رسولنا صلى الله عليه وسلم.
  • إيتاء الزكاة: وهي عبادة مالية واجبة في حق من بلغ ماله النصاب وحال عليه الحول، فرضها الله تطهيراً لأصحابها وإعفافاً لفقراء المسلمين عن ذل الحاجة وسؤال الناس.
  • صوم رمضان: هو الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات في نهار أيام رمضان من وقت طلوع الفجر وحتى غروبها.
  • حج البيت: وهو الحج إلى بيت الله الحرام بمكة وأداء مناسكه بالصفة المعروفة شرعاً مرة واحدة في الحياة، وذلك عند توفر القدرة المالية والبدنية.

حديث الرسول مع جبريل | شرح الحديث وأهم ما يُستفاد منه

تابع أيضًا: شرح حديث إنما الأعمال بالنيات

ثانياً: مرتبة الإيمان

الإيمان في اللغة: هو التصديق،
أما في الاصطلاح فهو: إقرار باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح والأركان، يزداد بالطاعة وينقص بالمعصية،
وقد فسره النبي في حديث جبريل بأصول الاعتقاد الباطنة.

والثابت عند أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل لا ينفك أحدهما عن الآخر،
ولكن يلاحظ هنا أن حديث الرسول مع جبريل جاء فيه تعريف الإسلام بالأعمال الظاهرة،
واختص تفسير الإيمان بأنه الأعمال القلبية الباطنة فقط،
والسبب في هذا أن الإيمان والإسلام جاءا هنا في سياق واحد،
أما إذا ذكر أي منهما في سياق مستقل فيكون المقصود المعنى العام المتضمن للأعمال الباطنة والظاهرة.

وأركان الإيمان ستة، وأجمع العلماء على وجوب الإتيان بها جميعاً، وأن من ترك أحدها بطل إيمانه،
وقد وردت إجمالاً في حديث الرسول مع جبريل وهي:

  • الإيمان بالله: وهو الإيمان بوجوده، والإقرار بربوبيته وألوهيته، وبأنه الخالق المالك المدبر لهذا الكون، والإيمان بأسمائه وصفاته دون تعطيل أو تأويل أو تمثيل.
  • الإيمان بالملائكة: وهو الإيمان بوجودهم، وبأعمالهم، وبأوصافهم، والاعتقاد بعصمتهم وأنهم لا يعصون لله أمراً ويفعلون ما يؤمرون.
  • الإيمان بالكتب: ويتضمن الإيمان بكتب الله إجمالاً مما ذُكر في الوحيين، وهي: الزبور، والتوراة، والإنجيل، والإيمان بأن القرآن هو كتاب الله الناسخ لكل ما سبقه من كتب، وتصديق كل ما أخبر به والعمل بما فيه.
  • الإيمان بالرسل: ويتضمن الإيمان بهم إجمالاً، مَن ذُكر منهم في الوحيين ومن لم يُذكَر، والإيمان بأن محمد هو خاتمهم وأفضلهم، وبأنهم جميعاً بشر وعباد لله، اصطفاهم على سائر الخلق لإبلاغ رسالاته.
  • الإيمان باليوم الآخر: أي: يوم القيامة، ويتضمن الإيمان بأن الله يبعث من يموت، والإيمان بالحساب والجزاء، والجنة والنار، والصراط والشفاعة والميزان، ويدخل فيه الإيمان بحياة البرزخ.
  • الإيمان بالقدر خيره وشره: وهو الإيمان بأن الله وحده خالق الكون والخلق ومالكهم والمتصرف فيهم بمشيئته وإرادته، وأنه كتب الأقدار جميعها قبل خلق السماوات والأرض، وأنه أحاط بكل شيء علماً.

مقال هام: حديث عن الصبر بالتفسير والمناسبة التي قيل فيها

ثالثاُ: مرتبة الإحسان

الإحسان في اللغة: ضد الإساءة، وهو الإتيان بفعلٍ حسن،
أما في الاصطلاح فهو كما جاء معنا في حديث جبريل عليه السلام:
(أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)،
وهو مرتبة أعلى وأخص من الإسلام والإيمان، واختص الله المحسنين بالمعية والعناية،
فقال: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل: 128].

ومن ثمرات الإحسان أيضاً أنه يورث العبد الخوف من الله وخشيته وتعظيمه،
ويدفعه لتحسين عبادته والقيام بها على أكمل وأتم وجه،
وقد أشار النبي في هذا الحديث إلى أن مرتبة الإحسان تتضمن مقامين، هما:

  • مقام المراقبة: هو أن يستحضر العبد إطلاع الله على سره وعلانيته، وأنه يراه دائماً وأقرب إليه من حبل الوريد، واستحضار هذا مما يعين على الإخلاص وتجويد العبادة.
  • مقام المشاهدة: وهو المقام الأعلى، ومعناه أن يستحضر العبد رؤيته لله بقلبه فيذوق لذة العرفان، ويرى ببصيرته الغيب وكأنه عيان، وهذا حقيقة الإحسان.

أمارات الساعة في ضوء حديث الرسول مع جبريل

الساعة هنا هي اليوم الآخر أو يوم القيامة، وسُميت في القرآن بأسماء أخرى، منها:
يوم التلاق: {لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ} [غافر:15]، ويوم الآزفة: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ} [غافر: 18]،
ويوم الفتح: {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ} [السجدة: 29]،
ويوم الحسرة: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [مريم: 39].

وقد علمنا أن الله لم يُطلِع على موعدها لا نبي مرسل ولا ملك مقرب،
ولكن إن كان موعدها مجهولاً فإن لها أمارات وأشراط نؤمن يقيناً
أنها ستقع جميعاً قبل قيام الساعة، وقد تحقق بعض منها بالفعل.

وعلامات الساعة تنقسم إلى: كبرى وصغرى، ذكرها النبي في أحاديث متفرقة،
وتندرج العلامات المذكورة في حديث الرسول مع جبريل ضمن العلامات الصغرى،
واقتصر النبي هنا على ذكر علامتين فقط، هما:

1- أن تلد الأمة ربتها

ومعنى ربتها: أي مالكتها أو سيدتها، وفسر العلماء هذا على معنيين،

الأول: شيوع عقوق الأبناء لأمهاتهم، بحيث يتعامل الولد –صبياً كان أو بنتاً- مع والدته
وكأنه سيدها وهي أمته، فيسيء إليها ويهينها ويسبها ويضربها.

والثاني: كثرة ما يُجلَب من الرقيق كنايةً عن كثرة الفتوحات الإسلامية وانتشار الإسلام في ربوع الأرض،
فيؤتى بالأَمَة فُتُعتق ثم تُجلب أمها فتشتريها عن جهل بكونها أمها،
وقد تحققت هذه العلامة في عصر الخلافة الإسلامية.

قد يفيدك أيضًا: أحاديث عن التوبة والاستغفار وبيان معنى التوبة وحكمها وشروطها

2- أن ترى الحفاة العراة العالة رعاءَ الشاء يتطاولون في البنيان

حفاة: كناية عن فقرهم، عراة: كناية عن قلة ذات يدهم، وذكر رعاة الشاة دون رعاة الإبل؛
لأنهم أهل فقر ومسكنة وضعف، في حين يتصف أصحاب الإبل بالتعالي والكبر،
فقد كانت الإبل عند العرب من أفضل ثرواتهم وأثمنها،
ومعنى (يتطاولون في البنيان): أي أنهم يتنافسون فيما بينهم أيهم أعلى بنياناً وأكثر رفعة.

والمراد بهذه العلامة من علامات الساعة أن أراذل الناس وأسافلهم يكثر مالهم،
ويترأسون الناس، ويتباهون بطول أبنيتهم وعِظَم زخرفها، وفي هذا إشارة إلى تبدل الأحوال وانقلاب موازين الأمور
وفساد الدنيا والدين، حيث يتولى زمام الأمور من ليسوا أهلاً لهذا، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة” [رواه البخاري].

فوائد من حديث الرسول مع جبريل

من خلال شرح حديث جبريل يمكننا استخلاص عددٍ من الفوائد الدينية والتربوية، وهي كالتالي:

أولاً: الفوائد الدينية

  • للملائكة القدرة على أن يتحولوا من صورتهم التي خلقهم الله عليها إلى أي صورة أخرى بإذن الله.
  • المُتسبب كالمباشِر، أي أنه لما كان جبريل سبباً في إخبار النبي للناس عن مراتب الدين والساعة وأماراتها قال النبي عنه: (أتاكم يعلمكم دينكم) ونسب إليه فضل تعليمهم.
  • يجوز أن يسأل المرء عما يعلمه إذا كان في هذا مصلحة غيره.
  • مَن نطق بالشهادتين فقط يصبح مسلماً حُكماً، أما من يأتي بفرائض الإسلام وأركانه الخمس يكون مسلماً حقاً.
  • لا تتم أركان العقيدة الصحيحة وتكتمل إلا بالإقرار بأصول الإيمان الستة المذكورة في الحديث، وإذا سقط أحدها انتفى الإيمان.
  • أثبت الحديث أن القدر يحتمل أن يكون خيراً أو شراً.
  • من ثمرات تحقيق الإحسان الاستئناس بالله والشوق إلى لقائه والفرح به، وانشغال القلب واللسان بذكره، والاستغناء به عما سواه.
  • مَن ادعى معرفة الساعة فقد كذب، ولا يجوز التصديق بمثل هذه الادعاءات.
  • علامات الساعة وأشراطها من أمور الدين التي لا يجب إغفال تعلمها؛ للوقاية من الفتن والحذر من الوقوع فيها.
  • في الحديث دلالة على كراهية التطاول في البنيان إذا انتفت الحاجة إليه.

اقرأ هذا المقال: التسامح من أجمل الصفات…حديث عن التسامح

ثانياً: فوائد للمعلمين وطلبة العلم

  • من آداب طالب العلم التأدب بين يدي معلمه واحترامه وتوقيره.
  • ينبغي الاستفسار من المعلم وسؤاله عما أُشكل فهمه.
  • إذا سألك أحدهم عما تجهله فقل لا أعلم.
  • نصف العلم في إحسان السؤال.
  • طريقة السؤال والجواب أحد الأساليب التعليمية الفعالة.
  • على طالب العلم ألا يستحي من سؤال معلمه أو أن يستكبر على طلب معرفة الحق، وقد كان السلف يقولون أنه لا يُعطى العلم لمستحٍ ولا لمستكبر.

وختاماً.. فإن حديث الرسول مع جبريل من الأحاديث الجامعة الماتعة التي ينبغي على كل مسلم أن يعيها ويفهمها جيداً،
فهو بمثابة دليل إرشادي لأسس هذا الدين القويم، وكالبوصلة التي يُهتدَى بها إلى الصراط المستقيم،
فضعه دائماً نصب عينيك؛ فإنك إذا استمسكت به فلن تضل بإذن الله.

شاهد أيضاً

أحاديث نبوية صحيحة

أجمل أحاديث نبوية صحيحة وتفسيرها عن الأخلاق والتسامح ومواضيع مختلفة 

أحاديث نبوية صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم يحتاجها الكثير من المؤمنين ولأن قراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *