فضل صيام يوم عرفة كبير وثواب عظيم من الكريم الجواد سبحانه،
فقد فضل اللّه تعالى يوم عرفة على سائر الأيام لما له من مكانة عظيمة
ولأن الوقوف بعرفة في هذا اليوم هو الركن الأساسي في شعيرة من
شعائر اللّه تعالى ألا وهي الحج، فقد قال صلوات اللّه وسلامه عليه:
“الحج عرفة” رواه الترمذي.
فضل صيام يوم عرفة
يوم عرفة هو اليوم التاسع من أيام العشر الأوائل من ذي الحجة التي
ذكرها اللّه في كتابه العزيز، قال تعالى: “والفجر * وليال عشر”
وقد سمي يوم عرفة بهذا الإسم نسبة إلى جبل عرفات
الذي يقف عليه الحجاج لآداء ركن الحج الأعظم.
وفي هذا اليوم العظيم تتنزل رحمة اللّه على عباده ويغفر اللّه تعالى
لعباده الذنوب الكبيرة فقد جاء عن طلحة بن عبيد اللّه رضي اللّه عنه
عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: ” ما رُؤيَ الشَّيطانُ يَومًا هو فيه
أصغَرُ ولا أدحَرُ ولا أحقَرُ ولا أغيَظُ منه يَومَ عَرَفةَ؛ لمَا يَرى مِن تَنزيلِ
الرَّحمةِ وتَجاوُزِ اللهِ عنِ الذُّنوبِ العِظامِ إلَّا ما رأَى يَومَ بَدرٍ، قيلَ:
وما رأَى يَومَ بَدرٍ؟ قال: أمَا إنَّه قد رأَى جِبريلَ يَزَعُ المَلائكةَ”
أخرجه الإمام مالك في الموطأ وقال عنه الزيلعي مرسل صحيح.
فالشيطان في هذا اليوم ذليل بعيد عن الخير يكاد من شدة غيظه
أن يختنق لما يرى من رحمات اللّه وغفرانه التي تنزل على عباده.
فضل صيام يوم عرفة لغير الحاج
ومن أجْلِ هذه الرحمات التي تنزل من اللّه تعالى على عباده يستحب
صيام يوم عرفة لغير الحاج كما قال الفقهاء بالإجماع، فصيام هذا اليوم
أفضل عند اللّه تعالى من صيام أي يوم آخر من أيام السنة إلا صوم رمضان،
وقد جاء في حديث شريف أريد منك أن تقرأه بقلبك قبل لسانك لأنه
يبين فضل صيام يوم عرفة، فعن أبي قتادة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال:
“صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ،
وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ” رواه مسلم في صحيحه
فصيام عرفة لا يكفر ذنوبك يومًا أو يومين ولكنه يمحو ذنوبك سنتين
سنة قبله وسنة بعده، فيا لهذا الفضل الكبير والمنة العظيمة من
اللّه سبحانه، فلنحرص على صيام هذا اليوم لننال هذا الخير الوفير.
{ حكم صيام يوم عرفة للحاج }
وبما أننا نتحدث عن صيام يوم عرفة يجب علينا أن نبين حكم
صيام هذا اليوم للحاج، وهو كما قال العلماء أنه يكره صيام هذا
اليوم للحاج وذلك لأنه يُخشى عليه التعب وعدم القدرة على
الوقوف بعرفة لأن هذا اليوم يحتاج إلى جهد ومشقة،
ودليل ذلك ما جاء عن أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي اللّه عنها:
” أنَّ النَّاسَ شَكُّوا في صِيَامِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ عَرَفَةَ
فأرْسَلَتْ إلَيْهِ بحِلَابٍ وهو واقِفٌ في المَوْقِفِ فَشَرِبَ منه
والنَّاسُ يَنْظُرُونَ” رواه البخاري.
فضل يوم عرفة وما يستحب فيه
ولأن هذا اليوم من أفضل أيام العشر من ذي الحجة وكذلك من أفضل أيام الدنيا،
فليس الصيام فقط هو ما يستحب فعله في هذا اليوم ولا في هذه العشر،
فيستحب كذلك أن نكثر من الأعمال الصالحة لأن هذه الأيام تنبع بالخير
عليك كلما قمت فيها بعمل صالح، فاقرأ بتدبر هذا الحديث الشريف
عن عبداللّه بن عباس رضي اللّه عنهما عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال:
“ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذِه؟ قالوا: ولَا الجِهَادُ؟ قَالَ: ولَا الجِهَادُ،
إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بشيءٍ” رواه البخاري
ومن الأعمال التي يستحب فعلها في هذا اليوم الكريم غير الصيام:
- تلاوة القرآن الكريم .
- الإكثار من النوافل.
- الإكثار من ذكر اللّه تعالى.
- الصدقة ابتغاء رضوان اللّه.
- كثرة الدعاء.
- كثرة الاستغفار.
- قيام ليلة عرفة.
- كثرة الصلاة على النبي ﷺ.
ولأن هذا اليوم لا تنقضي رحَماته فانظر بقلبك وتدبر بعقلك حديث الحبيب
الشفيع صلى اللّه عليه وسلم الذي روته السيدة عائشة رضي اللّه عنها،
قال: “ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ،
وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟” رواه مسلم.
فانظر إلى فضل يوم عرفة وعظيم كرم الرحمن سبحانه في هذا اليوم،
فلم يكتفي بغفرانه للذنوب ولكن من كرمه وفضله يكثر من عتق الرقاب
من النار ثم يقترب اقترابًا يليق بعظمته وجلال قدره فيباهي بأهل عرفة
ملائكته فيقول ما أراد هؤلاء؟
إنهم ما أرادو إلا الرضا والغفران من الكريم المنان سبحانه وتعالى.
دعاء يوم عرفة
كما قلنا أنه يستحب كثرة الدعاء في هذا اليوم لأنه من الأيام التي
يستجاب فيها الدعاء، وكذلك هو من أفضل أيام الدعاء، كما جاء على
لسان الحبيب صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ستقرأه بقلبك
عن عبد اللّه ابن عمرو رضي اللّه عنه، قال صلى اللّه عليه وسلم:
“خيرُ الدُّعاءِ يومُ عرفةَ، و خيرُ ما قلتُ أنا و النَّبيون من قبلي:
لا إله إلا اللهُ وحده لاشريك له، له الملكُ، وله الحمدُ،
و هو على كلِّ شيءٍ قديرٌ” رواه الألباني في صحيح الجامع.
{ أدعية مأثورة ليوم عرفة }
- اللهمّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون. - اللهمَّ صلِّ على سيدنا ومولانا محمد عددَ ما كان وما يكون،
وعددَ ما أظلمَ عليهِ الليلُ وأضاءَ عليهِ النهارُ. - اللهم اجعلنا بالصلاةِ على النبي مِنَ الفائِزينَ، وعلى حوضِهِ
مِنَ الوارِدِينَ الشَّـارِبِينَ، وبِسُنَّتِهِ وطاعتِهِ مِنَ العاملينَ،
ولا تَحُلْ بيننا وبينَهُ يومَ القيامَةِ يا رَبَّ العالمينَ،
واغفر لنا ولوالِدِينا ولجميعِ المسلمينَ. - اللهمَّ اغفِرْ لي خطيئَتي وجَهلي، وإسرافي في أمري،
وما أنت أعلمُ به مني، اللهمَّ اغفرْ لي خطَئي وعَمْدي،
وهَزْلي وجِدِّي، وكلُّ ذلك عندي، اللهمَّ اغفرْ لي ما قدَّمتُ
وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ، أنت المقدِّمُ وأنت المؤخِّرُ،
وأنت على كلِّ شيء قديرٌ. - اللهمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى
عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ،
أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي،
فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أَنْتَ. - اللهم أرزقنا الإخلاص في الدعاء، والقبول في الطاعة،
والشكر عند الخير، والخشوع في الصلاة. - اللهم أودع في قلوبنا ما يشغلنا بك، وأودع في ألسنتنا ما يهدينا إليك.
- اللهم إنا نستغفرك استغفارًا يطهر النفوس من أوزارها،
ونشهد لك شهادة نحشر تحت ظلالها يوم القيامة. - اللهم ارزقنا حمدًا يملأ الميزان، وشكراً يزيدنا في الإحسان،
وتوبةً صادقةً تدخلنا بها الجنان، و نورًا وهدايةً بالإيمان، وصحةً وعافيةً
في الأبدان ورحمة منك ورضوان برحمتك وفضلك يارحمن.
خطبة الوداع في يوم عرفة
حجة الوداع هي الحجة الأولى والأخيرة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
وسميت بحجة الوداع لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم ودع المسلمين فيها،
ونزل فيها آخر آية من القرآن آية اكتمال الدين وتمام النعمة وهي قوله تعالى:
“الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا” (المائدة – 3)
وقد خطب النبي صلى اللّه عليه وسلم خطبة الوداع في يوم عرفة وهي كالتالي:
“إنَّ دماءَكم، وأموالَكم حرامٌ عليكم، كحرمةِ يومِكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدِكم هذا. ألا كلُّ شيءٍ من أمرِ الجاهليةِ تحت قدَميَّ موضوعٌ، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أوَّل دمٍ أضعُ من دمائِنا دمُ ابنِ ربيعةَ بن الحارث، كان مسترْضِعًا في بني سعْد فقتلتْه هُذَيل ورِبا الجاهليةِ موضوعٌ، وأوَّل ربًا أضعُ من رِبَانا رِبَا العباسِ بن عبدالمطَّلب؛ فإنَّه موضوعٌ كلُّه،
فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمانةِ الله، واستحللتم فروجَهنَّ بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تَكرَهُونه، فإن فعَلْن فاضرِبوهن ضربًا غير مبرِّح، ولهن عليكم رزقُهنَّ وكسوتُهنَّ بالمعروف، وقد تركتُ فيكم ما لن تَضِلُّوا بعده- إن اعتصمتم به- كتابَ الله، وأنتم تُسْأَلون عني، فماذا أنتم قائلون؟، قالوا: نشهَد أنَّك قد بلَّغت، وأدَّيت، ونصحتَ، فقال- بأصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء، ويَنكتُها إلى الناس-: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد” صحيح البخاري.
هذا كان فضل صيام يوم عرفة لغير الحاج وفضل هذا اليوم الكريم من
أيام العشر من ذي الحجة فهنيئًا لمن صام هذا اليوم وأكثر فيه من
الأعمال الصالحة، فاللهم وفقنا لكل خير تحبه وترضاه وارزقنا الإخلاص
والثبات يارب العالمين وآخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين
والصلاة والسلام على سيد المرسلين.