اشتهر أبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه بلقب الصدِّيق، فهل تعلم أن هذا ليس لقب أبي بكر الصديق الأوحد؟ بل إن له ألقابًا أخرى تنبئ عن شخصيته الفريدة، وصفاته المميزة التي كان يتحلى بها، وفضائله التي لم يماثله فيها أحد، فهلم بنا نتعرف على ألقابه الأخرى، وسبب تلقيبه بكل منها، ومَن الذي لقبه بها، ومتى كان ذلك.
مّن هو أبو بكر الصديق؟
هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب التيمي القرشي، يلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم في “مرة بن كعب” وهو الجد السادس، أبوه: عثمان بن عامر المشهور بأبي قحافة، تأخر إسلامه إلى يوم فتح مكة، أما أمه فقيل أنها أسلمت قبل الهجرة، وهي: أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد.
ولِد بمكة بعد عام الفيل بعامين ونصف، وكان من سادة قريش وشرفائها، آمن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصدقه وكان له السبق في اعتناق الإسلام، وانطلق يدعو إلى الله ويبذل في سبيله كل غالٍ ونفيس، اصطفاه الله لرفقة نبيه ومصاحبته في هجرته من مكة إلى المدينة، وشهد معه بدرًا والغزوات كلها، ثم بايعه المسلمون بالخلافة بعد موته صلى الله عليه وسلم؛ فقاتل المرتدين، وفتح الفتوح، وجمع القرآن، ثم لقي ربه عام 13 هجريًا وعمره 63 عامًا.
ألقاب أبي بكر الصديق
لُقِّب عمر بن الخطاب بالفاروق، ولُقب خالد بن الوليد بسيف الله، ولقب حمزة بأسد الله، أما أبو بكر فكان له أكثر من لقب، منها ما كان في الجاهلية ومنها ما اختُصَّ به بعد الإسلام، ولا عجب في ذلك؛ إذ كان هو أفضل الصحابة بلا خلاف، وكلما علا شأن الرجل وسمت منزلته كلما كان له من الألقاب ما يدل عليه، وفيما يلي نستعرض سويَا ألقاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
1- الصِّدِّيق
كان وما زال لقب أبي بكر الصديق الأشهر، والصِّدِّيقية من صفات الكمال، وتعني تمام الانقياد للنبي مع كمال الإخلاص لله، وقال القرطبي أن الصديق هو مَن وافق فعله قوله، كما أن لقب الصديق يشير إلى كمال صدق صاحبه، ويشير أيضًا إلى كمال تصديقه.
لماذا لقب أبو بكر الصديق بالصديق؟
اتفقت الأمة بالإجماع على أحقية أبي بكر بهذا اللقب؛ لمبادرته إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يقول، ولأنه لم يؤثر عليه كذب لا في الجاهلية ولا في الإسلام، ولأنه ورد في غير واحدِ من الأحاديث التي صحت نسبتها إلى رسول الله ما يعضض إثبات لقب أبي بكر الصديق له، منها: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَعِدَ أُحُدًا، وأَبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ، وعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بهِمْ، فَقَالَ: اثْبُتْ أُحُدُ؛ فإنَّما عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وصِدِّيقٌ، وشَهِيدَانِ”. [رواه البخاري].
متى لقب أبو بكر الصديق بالصديق؟
لقب أبو بكر بالصديق بعد حادثة الإسراء والمعراج، فعن عائشة قالت: “لما أُسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك؛ فارتدَّ ناس ممن كان آمنوا به وصدقوه، وسعى رجال من المشركين إلى أبي بكر، فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أُسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن قال ذلك لقد صدق، قالوا: أو تصدقه أنَّه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ فقال: نعم، إني لأصدقه ما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء في غدوة أو روحة، فلذلك سُمِّي أبا بكر الصديق. [صححه الذهبي وأقره].
2- عتيق
كان عتيق لقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه أيضّا إلى جانب لقب الصديق، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أنَّ أبا بَكْرٍ دخلَ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: أنتَ عتيقُ اللَّهِ منَ النَّارِ فيومئذٍ سُمِّيَ عتيقًا” [صحيح الترمذي]، فمنذ هذا الحين سُمي عتيقًا.
لماذا لقب أبي بكر الصديق بعتيق؟
قيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من أطلق عليه هذا اللقب، وقال بعض المؤرخين أن عتيقًا كان لقب أبي بكر الصديق في الجاهلية؛ لجمال وجهه، في حين قال آخرون أن أمه كانت لا يعيش لها أولاد، فلما وضعته ذهبت به إلى الكعبة واستقبلتها داعيةً: “اللهم إن هذا عتيقك من الموت فهبه لي”، وعلى كلٍ لا يوجد ما يمنع الجمع بين كل تلك الروايات.
بماذا لقب أبو بكر الصديق في القرآن؟
لتدرك علو منزلة أبي بكر وعظيم شأنه يكفي أن تعلم أنه نزلت فيه أكثر من آية من كتاب الله تمدحه وتثني عليه، منها قوله تعالى: “إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا” [التوبة: 40].
وأجمعت الأمة على أن الصاحب المشار إليه هنا هو أبو بكر الصديق بلا منازع، فشواهد تفرده بمنقبة مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم في الغار شهيرة، منها حديث أنس عن أبي بكر رضي الله عنهما قال: “قُلتُ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَنَا في الغَارِ: لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: ما ظَنُّكَ يا أبَا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟!” [صحيح البخاري].
وانظر أيضًا إلى قول الله تعالى: “وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ، وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ” [الليل: 17-19]، فرغم عموم اللفظ في هذه الآيات، إلا أن أكثر المفسرين على أن المقصود بها أبو بكر الصديق، وأنها نزلت فيه، ويقوي هذا القول حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما لِأَحدٍ عندَنَا يَدٌ إلَّا وقَدْ كافأناهُ، ما خلَا أبا بكرٍ، فإِنَّ لَهُ عِندنَا يَدًا يُكافِئُهُ اللهُ بِها يَومَ القيامَةِ، ومَا نفَعَنِي مَالُ أحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعِني مالُ أبي بِكْرٍ” [صحيح الجامع].
وهكذا يتبين لك أن لقب أبي بكر الصديق ليس الصِّدِّيق فحسب؛ بل هو عتيق الله من النار، وصاحب نبي الله ورفيقه وثاني اثنين إذ هما في الغار، والأتقى الذي أنفق ماله يشتري مستضعفي مكة ويخلصهم من بطش الكفار، فاستحق أن يكون أفضل الصحابة الأخيار، رضي الله عنه وأرضاه وجزاه عن أمة الإسلام خيرًا.